روسيا تحجّم الهيمنة الإيرانية في سوريا

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد تدخل روسيا مباشرة في سوريا في سبتمبر 2015، تمكنت من تحقيق سلسلة من المكاسب العسكرية والسياسية لصالح النظام. وقد يكون أحدث هذه المكاسب هو الأهم.

ففي غضون بضعة أشهر من التدخل، أصبح من الواضح أن الوجود الروسي، وضع حداً لأي محاولة جادة من قبل المعارضين للإطاحة بالنظام.

وحدث الإنجاز الثاني الأكبر بعد عام، عندما بدأت موسكو في تحويل التمرد ضد النظام لصالحه بشكل عميق، بدلاً من مجرد تأمين حليفها وكسب المزيد من الأرض له. بدأ هذا التحول، عندما تخلت تركيا عن جهودها السابقة لزعزعة استقرار النظام، وبدلاً من ذلك، قامت بتحالف مع روسيا لمواصلة سياسة المنفعة المتبادلة في سوريا.

وضمنت هذه السياسة الجديدة، إتاحة الأمر لروسيا وحليفتها في دمشق، اختيار مكان تحويل الانتباه في ساحة المعركة.

وأتاح ذلك، استعادة النظام لحلب في ديسمبر 2016، حيث وجّه لاحقاً ضربة سياسية وعسكرية للمعارضين، الذين عجزوا عن استرداد الأراضي التي فقدوها.

وبمرور الوقت، ومن خلال الصفقات المحلية التي توسطت فيها روسيا وتركيا، ضعفت قوات المعارضة، وسهل ترويضها من قبل داعميها من القوى الأجنبية. وفي الأشهر الأولى من هذا العام، أصبحت المعارضة بشكل كامل تقريباً، تحت سيطرة هذه القوى. ويأتي التطور الأخير على خلفية هذه التغييرات. وتعتمد كل الدول التي ساندت المعارضة في السابق على روسيا، لإنقاذ الوضع في سوريا.

ولا تعتبر فكرة استخدام روسيا قوة موازنة للقوة الإيرانية في سوريا، وحتى قوات النظام جديدة. فعلى سبيل المثال، انخرط المعارضون في التفاوض مع روسيا، بعد تدخلها على وجه التحديد، لأنهم تصوروا أنها ضامن أكثر موثوقية لوقف إطلاق النار من إيران. وقد أدى هذا التصور إلى قيام العديد من فصائل المعارضة، بعقد اتفاقات، ثم المشاركة في محادثات السلام في عاصمة كازاخستان أستانا العام المنصرم.

قد تطلعت إسرائيل والأردن والولايات المتحدة ودول المنطقة الأخرى، إلى دور روسيا بأمل كبير في أوقات مختلفة، إما لأنها ستجعل النظام في دمشق أقل اعتماداً على إيران، أو بسبب التباعد الإيراني والروسي المتصوَّر في مقاربتهما للرؤية المستقبلية لسوريا. وقد تم عرض ومناقشة مقترح سياسي إضافي لتخفيف الضغط على النظام السوري بشكل جدي بين هذه الدول في واشنطن العام الماضي، لكن الاقتراح لم يكتسب الكثير من التأييد. غير أن الجديد على ما يبدو، هو أن هذا التفهم للدور الروسي، أصبح بشكل متزايد، المبدأ الإرشادي الذي تستند إليه تلك البلدان في سوريا.

يمكن أن يكون هذا التغيير ناجماً عن ثلاثة عوامل رئيسة: أولاً، لا يوجد أي جهد خارجي للطعن في النظام، كما في السابق، ولم يعد يشكل المعارضون أي تهديد بالقرب من المراكز الحضرية الرئيسة للنظام، بعد طردهم من دمشق وحلب وحمص. ولدى روسيا، وليس إيران، صفقات قائمة مع جميع الدول التي تسيطر على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.

ولم يعد النظام يتعرض لضغوط عسكرية، كما السابق، وبالتالي، أصبح أقل اعتماداً على المساعدة العسكرية الإيرانية.

وأتاح تعزيز النظام للسوريين، السيطرة تدريجياً على بلدهم، بدلاً من الاستمرار في أن يكونوا تحت التأثير الإيراني، التي تشعر دمشق أنه لا غنى عن مليشياتها ومواردها وخبراتها، طالما استمر القتال.

والعامل الثالث الأكثر أهمية، بعد طرد المتمردين من دمشق، هو الواقع الجديد الذي يواجهه النظام في المناطق التي لا تزال خارج سيطرته. فجميع المناطق المتبقية، هي في نطاق نفوذ القوى الأجنبية، وتلك البلدان لديها اتفاقات قائمة مع روسيا.

وتسيطر الولايات المتحدة وتركيا على ما يقارب 40 ٪ من سوريا في الشرق والشمال. تملك إسرائيل أيضاً حق النقض (الفيتو)، بحكم الواقع، في أي عمليات عسكرية للنظام بالقرب من حدودها، بموجب اتفاق بينها وبين روسيا والولايات المتحدة. وفي حين كان الاستيلاء على أرض جديدة في السابق، مجرد حساب عسكري، يتعين على النظام وحلفائه الآن، التعامل مع القوى الأجنبية التي لها وجود أو مصالح مباشرة في المناطق التي يعتزم النظام مهاجمتها، وخاصة في درعا. وروسيا، وليس إيران أو سوريا، هي الدولة التي لديها قنوات قائمة مع تلك الدول. وبعبارة أخرى، فإن النظام وإيران مقيدان حالياً بحوالي 40 في المئة من سوريا، وروسيا تملك مفتاح باقي المناطق.

الإنجاز الرئيس الثالث في سوريا، هو الآن قيد التنفيذ، ويتمثل بتقديم موسكو الأمل المتبقي الوحيد، لمنع ترسيخ الهيمنة الإيرانية في سوريا.

كاتب أميركي من أصل سوري

Email