ترامب وإيران..المخاطرة وفرص النجاح

ت + ت - الحجم الطبيعي

ألقى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خطاباً أخيراً، حدد الخطوط العريضة لاستراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجديدة في مواجهة إيران: تكثيف الضغوط الجارية على السيولة للنظام الإيراني وعلى أزمته السياسية لإحداث تغييرات جوهرية في السلوك عبر مجموعة من الأنشطة المؤذية. باختصار، أقصى الدبلوماسية المدعومة بأقصى الضغوط.

وكان خطاب بومبيو بمثابة رد على منتقدي سياسة الإدارة الأميركية تجاه إيران، لا سيما أولئك الذين جادلوا بأن ترامب ليس لديه «خطة بديلة» في اليوم الذي يلي قراره المتخذ في الثامن من مايو، بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015. ومنح ذلك الاتفاق إيران سبلاً متأنية للوصول إلى السلاح النووي والهيمنة الإقليمية وعشرات المليارات من الدولارات لتمويل سلوكها الخطير والمدمر.

الطريق إلى الأمام: عبارة عن نهج شامل لمعاجلة ما أسماه بومبيو «النطاق الهائل للسلوك المؤذي للنظام الإيراني»

ومع استراتيجيته الجديدة، منح الرئيس ترامب ووزير خارجيته ضوءاً أخضر للمحاربين الماليين في وزارة الخزانة الأميركية لإطلاق العنان لما يسميها بومبيو «أقوى العقوبات في التاريخ ما إن ننتهي منها». وسوف تزداد الضغوط مع عودة فرض العقوبات المفروضة ما قبل الاتفاق الإيراني.

وفي أعقاب قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، هبط التبادل ما بين الريال الإيراني والدولار الأميركي في السوق السوداء، حيث يتاجر معظم الإيرانيين بعملاتهم، إلى حوالي 70 ألفاً إلى دولار واحد، وكان المعدل 70 إلى دولار واحد عشية الثورة الإيرانية عام 1979. وقد ازداد التضخم بشكل كبير بما يزيد عن 70%، ويمر القطاع المصرفي في أزمة، أما الإيرانيون فهم في احتجاجات ضد سوء الإدارة الاقتصادية للنظام والفساد الجسيم ونزعة المغامرة في الخارج والقمع الداخلي.

وفيما يجري شن هجوم مالي بقيادة الولايات المتحدة ضد طهران، يشعر القادة الأوروبيون بأنهم منتهكون سياسياً من جانب واشنطن. في اعتقادهم أنهم شاركوا في محادثات بنوايا حسنة على مدى عدة أشهر، واقتربوا من التوصل إلى اتفاق تكميلي مع الولايات المتحدة لبى معظم مطالب ترامب لإصلاح الاتفاق، ويرون الآن واشنطن تستعد لاستخدام عقوبات ثانوية، أو عقوبات تتجاوز الحدود الإقليمية، وهي عقوبات تهدد سيادتهم الاقتصادية. وهم يستحضرون حظر القوانين مما يجعل من القانوني عدم التزام شركاتهم بالعقوبات الأميركية، ويتطلعون لاستخدام البنوك السيادية الأوروبية لتمويل التجارة مع إيران.

وبينما يهدد الملالي الأوروبيين بالتصعيد النووي إذا لم يستثمروا مليارات الدولارات لإنقاذ اقتصاد النظام الإيراني من الانهيار، يعدهم ترامب بعقوبات صارمة إذا فعلوا ذلك. وتتجه الشركات الأوروبية في الاتجاه المعاكس أصلاً، مع قيام شركات كبرى في مجال الطاقة والتأمين والشحن بالإشارة إلى نواياها قطع العلاقات التجارية مع طهران ما لم تتمكن حكوماتهم من التفاوض على تفويض بإلغاء العقوبات. لكن هذا ليس مرجحاً كما حذر بومبيو.

ويدعو هذا الأخير إلى تجديد الدبلوماسية مع الأوروبيين وقد تنجح جهوده في توسيع التحالف الدبلوماسي إلى حلفاء أميركا في الخليج وآسيا. لكن وزير الخارجية سوف يواجه تحدياً في توحيد تحالف من الدول المتذمرين، ومن بينها العديد الذي يتألم من مفاوضات التعريفات الجمركية وتطبيق العقوبات على كوريا الشمالية.

لكن قادة فرنسا وألمانيا أوضحوا الأسبوع الماضي أنهم غير مهتمين في حرب تجارية عبر الأطلسي بشأن إيران. وبعد إعلان ترامب انسحابه من الاتفاق النووي، كرر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون دعوته لاتفاق شامل يعالج برنامج إيران النووي وصواريخها وسلوكها الإقليمي المدمر. وفي حين يرى الرئيس الفرنسي «خطة العمل الشاملة المشتركة» ركناً أساسياً في مثل هذا الاتفاق، لديه الفرصة الآن لاحتضان مبادرة بومبيو الدبلوماسية، والحفاظ على التحالف عبر المحيط الأطلسي، ومساعدة واشنطن في الدفع بتغييرات تاريخية في سلوك النظام الإيراني.

وتشمل المبادرة الجديدة التي قدمها بومبيو مطالب وتنازلات كبيرة تتجاوز كثيراً الاتفاق النووي القديم. ويمكن أن تمنح العملية الدبلوماسية على اتفاق كهذا أوروبا وسيلة للخروج من أوضاع التصعيد الإيراني والأميركي، لكنها أيضا من الممكن أن تكون فكرة لا مجال لنجاحها عند قادة الاتحاد الأوروبي الغاضبين الذين قد لا يرون ميزة في التوقيع على دبلوماسية تقودها الولايات المتحدة مع رئيس ينظرون إليه بأنه يشكل تهديداً لسيادتهم الاقتصادية والسياسية.

لدى الإدارة خطة طموحة بهدف واضح: إجبار النظام الإيراني على اتخاذ خيار بين التوصل إلى اتفاق استراتيجي شامل أو مواجهة ضغوط لا هوادة فيها يمكن أن تؤدي إلى انكساره. حتى الآن، يبدو النظام الإيراني مركزاً على دق أسفين بين أوروبا والولايات المتحدة، محاولاً عزل واشنطن.

السؤال المطروح هو إلى متى يمكن أن يصمد الملالي، قبل أن تصبح الضغوط عليهم مرتفعة أكثر من قدرتهم على الصمود، وماذا قد يكون ترامب على استعداد لفعله إذا ما قرروا الاندفاع نحو السياج النووي؟

 

 

Email