تطوير البنى الإدارية للنهوض بالصناعة الصحية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تبذل الإمارات منذ سنوات جهوداً دؤوبة لتحسين هيكلية القطاع الصحي عبر فصل المؤسسات التشغيلية عن الهيئة الرقابية أو التنظيمية، ما يكرس دور وزارة الصحة كجهة تشريعية تنظيمية رئيسة ووقائية، وعلى المستوى المحلي فصلت أبوظبي إدارة الرعاية الصحية عن تنظيم الرعاية الصحية عبر استبدال الهيئة العامة للخدمات الصحية بمؤسستين الأولى هي شركة أبوظبي للخدمات الصحية «صحة».

وهي شركة مساهمة عامة مستقلة تمتلك وتدير جميع المستشفيات والمراكز الصحية العامة في إمارة أبوظبي، والثانية هي «هيئة الصحة ـ أبوظبي» والتي تنظم قطاعي الرعاية الصحية العام والخاص.

واليوم تخطو دبي خطوات كبيرة في هذا المجال مع القانون رقم 6 والمرسومين رقم (18) ورقم (17) لسنة 2018، والتي تعيد هيكلة الإدارة الداخلية لهيئة الصحة بدبي لتكون متوافقة مع أفضل المعايير العالمية من حيث بناء وحداتها التنظيمية وتكامل أدوارها واختصاصاتها، وتنظم إنشاء مُؤسّسة دبي للرِّعاية الصحية، ومُؤسّسة دبي للضّمان الصحي إضافة لأمور أخرى، تصب في صالح إعادة هندسة عملية تقديم الخدمات العامة والمهام التنظيمية الخاصة بالهيئة.

وتأتي أهمية إعادة الهيكلة من كونها تزيد الكفاءة والفاعلية وتخفض التكلفة وتقلل حجم المؤسسة والأقسام والوحدات وعدد المستويات في الهيكل التنظيمي بالمؤسسة المعاد هيكلتها، وبالتالي القدرة على المنافسة.

وهذه التوجهات ليست خاصة بالإمارات فمعظم الأنظمة الصحية في العالم تفصل بين التشغيل والتنظيم، وفي السنوات الأخيرة، تتوجه دول خليجية إلى فصل المستشفيات الحكومية عن منظومة وزارة الصحة وإنشاء هيئات مستقلة، وذلك لتجاوز مشكلات إدارية واتباع طرق تتيح مزيداً من الاستقلالية لمنشآت الرعاية الصحية.

ناهيك عن أن هذا الفصل يتيح للمؤسسات التشغيلية الاستقلالية بحيث تعقد شراكات وتبيع الأصول أو تسلم إدارتها لشركة خاصة، ما يحرك الشراكات الحكومية مع القطاع الخاص ويؤدي لتطوير العلاقة معه.

وتصب هذه التحولات في صالح استراتيجية دبي الصناعية وخاصة الصناعات الطبية وهي إحدى المجالات الرئيسية لمجمع دبي للعلوم الذي يركز على استكشاف الفرص الاستثمارية وتعريف المستثمرين بها وتقديم التسهيلات التي يحتاجونها والتواصل مع صناع القرار لتعريفهم باحتياجات المستثمرين.

وبطبيعة الحال فإن تطور القطاع الصحي وبالتالي الصناعات المرتبطة به يتعلق بعوامل شتى قد يكون أهمها تطور الطلب المحلي والإقليمي وهو ما يتطلب تطوير قطاع الرعاية الصحية في دبي والإمارات، علماً أن الرعاية الصحية تواجه تحديات أكبر على مستوى العالم تتعلق بالتغيرات السريعة في العلوم الطبية والتقنيات، وأساليب الوقاية والتشخيص والعلاج، والطفرة الهائلة والمتواصلة في المعلومات والبيانات وشبكات الاتصال.

وفي دبي تتجاوز أهمية القطاع الصحي تقديم الخدمات الصحية إلى كونه رافداً لتنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط، حيث تهدف استراتيجية الصحة في دبي 2016-2021 إلى جعل دبي وجهة رائدة للرعاية الصحية من خلال تبني نماذج الرعاية المبتكرة والمتكاملة، وضمان تطبيق أسس ومعايير الالتزام والمساءلة من خلال إطار مبتكر لحوكمة القطاع الصحي، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال تنظيم وتقديم واستدامة الخدمات الصحية.

وهذه التغييرات الإدارية خطوة نحو تطوير القطاع تحتاج إلى مزيد من إشراك القطاع الخاص لزيادة الاستثمار في البحث والتطوير لتحويل دبي إلى مركز عالمي للرعاية الصحية من خلال توفير نظام بيئي يغذي الابتكار من خلال توفير بنية تحتية متطورة وشبكات واسعة وإطار تنظيمي ملائم، ما يكرس دبي كوجهة استثمارية لشركات الرعاية الصحية المبتكرة التي تبحث عن بيئة مواتية، تنطلق منها إلى الأسواق المجاورة، وهذا لا يتم دون استقطاب أهم المؤسسات الطبية العالمية وأمهر الكفاءات المتخصصة لتقديم الحلول العلاجية والتقنيات الذكية الداعمة.

*المدير التنفيذي لمجمع دبي للعلوم، ورئيس فريق عمل قطاع صناعة الأدوية والمعدات الطبية ضمن استراتيجية دبي الصناعية 2030

Email