بوتين وسياسة التوازن في الشرق الأوسط

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتعين على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن يولي اهتماماً كبيراً لمواقع بطاريات المدفعية السورية، حيث فقد أربعة جنود روس حياتهم مؤخراً، إذ لا تزال الصحراء المحيطة بدير الزور، مكاناً في غاية الخطورة، حيث يلعب الأميركيون والروس لعبة حرب خطرة للغاية هناك.

ولا يزال بوتين يعتقد أن الأميركيين ساعدوا في توجيه قذائف الهاون التي قتلت الجنرال فاليري أسابوف قائد الجيش الروسي الخامس في الشرق الأقصى بدير الزور، قبل نحو عام.

والسؤال هو: هل تم إطلاق قذائف الهاون من قبل المقاتلين الأكراد الموالين للولايات المتحدة؟، أم عن طريق داعش؟.

ويقول الروس إن مهاجمي داعش المتنقلين اقتحموا موقع المدفعية السورية مؤخراً أثناء الليل، وهو روتينهم المعتاد، حيث يتدفق مقاتلوه من أودية الصحراء في الشاحنات والدراجات النارية الانتحارية، على الرغم من وجود القلاع السورية الصغيرة، والتلال الرملية والأسمنتية المنتشرة عبر الهضاب الرملية الشاسعة، والتي من المفترض أن تكون غير معرضة للخطر.

لذلك، بدأ الروس الآن يوجهون قذائف المدفعية بأنفسهم. وكانوا في السابق يكتفون بتوفير الإسناد الجوي للجيش السوري، ويهاجمون أعداء الأسد بطائرات السوخوي.

ثم ساهموا بإزالة الألغام في تدمر ودير الزور وحمص وحلب، وبعد ذلك رافقت الشرطة العسكرية الروسية، قوات المتمردين المهزومين إلى أراضي إقليم إدلب، أو الحدود التركية، بعد انسحابهم من منطقة الغوطة. كما ينسق الروس عسكرياً بين الجنود السوريين وقوات الأكراد الموالية لأميركا على نهر الفرات.

قبل اثني عشر شهراً، كان خبراء المدفعية الروس البارزون، يبحثون بين أنقاض المباني شرقي حلب لوضع خرائط دقيقة لأمكنة سقوط القذائف، وأحجامها وآثار الانفجارات الناجمة عن الذخائر الروسية التي كانت تسقط من الطائرات الروسية. وقد قابلت إحدى هذه الفرق، التي كانت ترسل تقاريرها إلى المخابرات العسكرية الروسية، لكن هذه التقارير كانت ترسل أولاً إلى الكرملين مباشرة.

كان بوتين يقرأ هذه التقارير، وهو يحاول الآن في سوريا، تجنب الكوارث التي حدثت للجنود الروس في أفغانستان أيام بريجنيف. ويجيد الضباط الروس في الأراضي السورية، التحدث باللغة العربية والإنجليزية، وعلى غرار الجيش السوري، يرافق ضباطهم الجنود في الخطوط الأمامية، وهذا هو السبب في مقتل القائد الروسي أسابوف.

قرر بوتين ملاحقة أعدائه من المتمردين الشيشان والروس، الذين يشاركون في القتال في سوريا، وقتلهم جميعاً، وقد أنقذ حليفه بشار الأسد. ولكن في الوقت نفسه، أرسل تحذيرات لأردوغان، بعد إسقاطه طائرة روسية، كما بقي صديقاً وثيقاً لإيران وتركيا ومصر ولبنان والسعودية والدول الأخرى في الشرق الأوسط، وعلى رأسها إسرائيل.

تعلم بوتين كثيراً من درس الإطاحة بنظام القذافي، وتدخل عندما حاول شركاؤه الغربيون الإطاحة بالأسد. وقرر عدم التقهقر من منطقة البحر المتوسط، كما حدث في ليبيا.

وعندما اشتكى الأميركيون من أن الضربات الجوية الروسية في سوريا، لم تصب سوى أفراد الجيش السوري الحر الموالي لهم، أجاب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بقسوة: إن موسكو تعتبر الجيش الحر إرهابياً.

لا يهتم بوتين كثيراً بمصرع المرتزقة الروس في سوريا، كما لم يهتم بالأكراد الذين سقطوا وهم يدافعون عن عفرين بعد هجوم الجيش التركي والقوات الموالية له. يبدو أن هذه الصفقة كانت بسيطة. قد يظل الأتراك مسيطرين على إقليم عفرين في الوقت الحاضر، إذا أتاحوا للسوريين والروس بتطهير محافظة إدلب من المتمردين في المستقبل.

الإيرانيون على الجبهة السورية، لا يريدون حرباً مع إسرائيل، التي لا ترغب هي الأخرى بحرب مع إيران، لأن الطرفين يدركان أنهما لن يفوزا.

لقد أصبح بوتين يمثل صوت الحس السليم، فبعد أن كانت الخارجية الأميركية في السابق، هي التي تدعو جميع الفرقاء في الشرق الأوسط إلى «ضبط النفس»، عندما كان الإسرائيليون يغزون أو يقصفون لبنان أو غزة، أصبح الكرملين الآن، هو الذي يدعو إلى ذلك بين إسرائيل وإيران. وهذا يظهر إلى أي درجة أثبتت شخصية بوتين وجودها. فسياسة ترامب المنحازة بشدة إلى إسرائيل، أعطت لروسيا انتصارها السياسي في الشرق الأوسط. من المثير القول إن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ربما عجز عن توفير توازن إقليمي في المنطقة، بسبب سياسته المتراخية في الشرق الأوسط. لقد أصبحت موسكو الآن هي اللاعب الرئيس هناك، ومن الصعب الآن تحقيق سياسة التوازن، بعيداً عن بوتين.

 

مراسل الإندبندنت في الشرق الأوسط

Email