عجوز في الأربعين

ت + ت - الحجم الطبيعي

قميص مزركش، شورت أزرق، وابتسامة بيضاء، وهي بفستان غارق في الألوان، شعر أبيض، ذراعان عليهما نمش العمر، يدا بيد يستكشفان العالم من جديد. من مدينة إلى مدينة، ومن رصيف إلى رصيف يجران ما مضى من العمر على عربة من فرح مؤجل.

تسأله: ما سر سعادتك؟ يقول لك: لقد تقاعدت. أنهيت مرحلة العمل في حياتي. أديت واجباتي الأسرية. أمنت راتباً يكفيني ورفيقة عمري، والآن أبدأ النصف الثاني من العمر.

ألست نادماً على شيء فعلته؟ يطلق ضحكة طفولية. يتركك ويواصل طريقه بخطى سريعة ليلحق ما فاته من فرح.

تعود إليك أنت الذي تصادف في وطنك العربي مسنين، في الأربعين، مكبلين بالكآبة، آيلين إلى موت مبكر. تبحث في أيهما اصح: أن تندم على ما فعلت أم على ما لم تفعل ؟!

الكاتب الأميركي، مارك توين، كان على حق عندما قال: «بعد عشرين عاما ستندم على الأشياء التي لم تفعلها أكثر من ندمك على الأشياء التي فعلتها».

وتؤكد هذه المقولة دراسة حديثة أنجزتها شركة تأمين على «الحياة في الخمسين» وطرحت فيها السؤال: «هل من الأفضل أن تندم على ما فعلت، أم على ما لم تفعل؟».

وبحسب تقرير لـ«بي بي سي»، كانت النتيجة أن نسبة 65 في المئة من المشاركين، وعددهم 2000 سنهم فوق الخمسين، يقولون إن الفرص الضائعة وعدم المجازفة والإقدام على شيء يؤدي إلى الندم أكثر من الفشل في عمل قمنا به.

ويضيف التقرير أنه إذا كان الشباب في سن العشرين يضعون في أعلى قائمة أحلامهم شراء بيت، فإن أكثر من ثلث الذين تجاوزوا سن الخمسين يتمنون لو أنهم سافروا أكثر في حياتهم، وربعهم يتمنون لو أنهم جازفوا أكثر، وربع آخر يتحسرون على أنهم لم يختاروا مسارا مهنيا مختلفا.

ويتحسر ربع آخر من المشاركين في الدراسة على أنهم لم ينهوا علاقة صعبة مبكرا، بينما تمنى 23 في المئة منهم لو أنه قال لوالديه إنه يحبهما عندما كانا لا يزالان على قيد الحياة.

ومن خلال تجاربهم في الحياة ينصح المشاركون، الأجيال الشابة بأن أفضل إنجاز بالنسبة لهم هو تنشئة أطفال سعداء وبصحة جيدة، وهو رأي الثلثين، ويأتي بعده اختيار شريك الحياة بنسبة 58 في المئة من المشاركين.

وجاء المال والوظيفة والأشياء المادية الأخرى في درجة أدنى بكثير من العلاقات العائلية والصحة. فقد رأى 1 من 10 أن الحصول على وظيفة جيدة من أكبر الإنجازات في الحياة، بينما يرى 3 من 10 أن المال قد يجلب السعادة.

ومن بين النصائح الثمينة التي يقدمها الذين تجاوزوا الخمسين من العمر لمن هم في بداية العشرينات هو البدء بتوفير المال من الآن للتقاعد. فثلث المشاركين يتمنون لو أنهم وفروا مالا أكثر لتقاعدهم، وأخذوا قرارات مالية أكثر حكمة. ويشعر ربعهم بالرضا عن أنفسهم لأنهم تجنبوا الإسراف لتوفير المال.

ويشعر أكثر من ثلث المشاركين بالرضا أنهم حرموا أنفسهم وأنفقوا على العائلة.

ونقل التقرير عن مدير شركة التأمين «فوق الخمسين»، ماثيو غليدهيل، قوله: «إن رسالة الذين تجاوزوا سن الخمسين للأجيال الشابة واضحة، وهي أن يأخذوا بأسباب الحياة، وأن يغتنموا الفرصة المتاحة لهم لتحقيق أحلامهم، وإن تطلب ذلك اتخاذ قرارات صعبة»، مضيفا إن ما يدخل البهجة على النفس هو أن العائلة لا تزال على رأس أولويات الناس.

في كتابه «الفردوس الأرضي» يقول المفكر الأميركي الترانسند «إن بنيت قلاعك على الرمال لا تندم على ما فعلت لأنه كان المكان الذي يجب أن تبنيها فيه، وعليك أن تضع قاعدة لتلك القلاع».

من جهتها تؤكد بيغ ستريب، أستاذة الفلسفة في جامعة كولومبيا الأميركية والناشطة في مجال العمل الاجتماعي، أن بعض الناس يواجهون أخطاءهم والشعور بالندم الذي يرافقها بنظام مناعة نفسي يصوّرها لهم كونها ضرورة في تجربتهم الحياتية نزولا عند رغبة صاحب المثل الذي يقول «إن الضربة التي لا تقتلك تقويك»، وهو ما يعرّف علميا بأسلوب التفكير الإيجابي في الحياة، وهو يتفق تماما مع نظرية، آرثر ميلر الروائي والكاتب المسرحي الأميركي، التي ترى بأن: «كل ما يمكننا أن نقوم به في نهاية المطاف، هو أن نندم بصورة صحيحة».

كاتب أردني

Email