الاتفاق النووي والخلافات الأميركية والأوروبية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تواجه فيها الولايات المتحدة وأوروبا نزاعات خطيرة في السياسة الخارجية بشأن الاتفاق النووي الإيراني، فقد واجه الطرفان في السابق نزاعات من هذا القبيل، لا سيما خلال حرب العراق، عندما اختلفت فرنسا وألمانيا مع الولايات المتحدة بسبب الغزو.

ولكن منذ تولي الرئيس ترامب السلطة في يناير عام 2017، باشر باتخاذ بعض القرارات، بما في ذلك انسحابه من اتفاقية المناخ في باريس وفرض تعريفة الصلب والألمنيوم على الدول الأوروبية، وهي سلسلة من الخلافات الشديدة. وقد يكون انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية مع إيران الأخطر حتى الآن.

ومما لا شك فيه أن العقوبات الأوروبية والأميركية هي التي ساعدت في جلب إيران إلى طاولة المفاوضات حول برنامجها النووي، وأدى ذلك في نهاية المطاف إلى التوصل إلى اتفاق بين إيران والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهما في عام 2015. لكن هذا الائتلاف انقسم بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق. والآن أصبح الأوروبيون يطالبون علانية إيجاد طرق لتنقيح إعادة فرض العقوبات الأميركية على إيران التي تم التنازل عنها كجزء من الصفقة.

وقالت أو. أودلفين وهي مشرعة فرنسية من حزب مارش التابع للرئيس ماكرون، في جلسة نقاش نهاية الأسبوع الماضي في المجلس الأطلسي في واشنطن: «حتى وسائل الإعلام تطالب باتخاذ إجراءات خارج الحدود الإقليمية والسيادة والوقوف في وجه الولايات المتحدة».

وأضافت: وبصورة مفاجئة، أصبح هذا أمراً مثيراً للاهتمام، لم أره منذ سنوات عدة. يجب أن نكون حذرين في هذا الأمر لأنه ربما يصبح مسألة تتعلق بالرأي العام وبالسيادة والوقوف لحماية مصالحنا الخاصة.

وفي محاولة لحماية استثمارات الشركات الأوروبية في إيران، قالت المفوضية الأوروبية إنها ستقوم بتفعيل أنظمة من شأنها أن تمنع تلك الشركات من الالتزام بالعقوبات التي ستعيد الولايات المتحدة فرضها. ومن غير الواضح كيف سيعمل هذا بالضبط، فالشركات الأوروبية بدأت بالفعل في سحب الاستثمارات من إيران خوفاً من العقوبات الأميركية.

وستفقد إيران استثمارات أوروبية كبيرة بصرف النظر عن ذلك، ما يثير التساؤل حول ما إذا كان الأوروبيون يستطيعون إنقاذ الاتفاقية النووية من خلال تنقيحها، وهي الاتفاقية التي استندت إلى حصول إيران على منفعة اقتصادية مقابل القبول بفرض قيود على برنامجها النووي. لكن في النهاية فإن الخلافات تتعلق بصورة أكبر بالعلاقات عبر الأطلسي التي تفعلها قدرة أوروبا على جعل شركاتها تستثمر في إيران.

وتواصل الولايات المتحدة وأوروبا التعاون عن كثب بشأن مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والأمن، ونظام عقوبات صارماً ضد روسيا بسبب نشاطها العسكري في أوكرانيا. ويشترك الطرفان في أهداف متعددة، على الرغم من التعريفات الجمركية على التجارة العالمية.

وقال أكسل هيلمان، وهو زميل في السياسة في شبكة القيادة الأوروبية، في جلسة نقاش منفصلة في المجلس الأطلسي: «لا يريد أي من الطرفين أن يؤثر هذا الخلاف حول الاتفاق النووي الإيراني على أجزاء أخرى من العلاقة التي تربط الأميركيين مع الأوروبيين».

أضاف: ولكن، قد نرى وزراء الخارجية يبدؤون في التشكيك في أسس علاقاتهم مع واشنطن. لقد كان الأمن دائماً حجر الزاوية في هذه العلاقة، ومن وجهة نظر أمنية، فإن هذا الخلاف بشأن إيران قد ينهي هذه العلاقة الوثيقة بين الاتحاد الأوروبي وأميركا.

أو كما قالت كارولين فيشيني، نائب رئيس وفد الاتحاد الأوروبي في واشنطن في المجلس الأطلسي: «نحن للأسف خارج نطاق الولايات المتحدة. نحن على طرفي نقيض من هذا، وهذه تعتبر قضية مؤسفة للغاية، فالنقاش الدائر في الولايات المتحدة حول خطة العمل الشاملة المشتركة، كما يعرف الاتفاق النووي مع إيران بصورة رسمية، يتعامل بشكل عام مع الأسئلة حول ما إذا كان الاتفاق جيداً وما إذا كان الرئيس السابق أوباما الذي دافع عن الاتفاق، قد تنازل أيضاً عن الكثير لإيران في مقابل القليل جداً.

لكن أوروبا ترى القضية بشكل مختلف. لقد عمل المفاوضون الأوروبيون باتجاه الاتفاق لمدة 12 عاماً، وكانت مشاركة الولايات المتحدة اللاحقة التي بدأت في عام 2008 قد فعلت العملية بصورة كبيرة، ورأت أنها الطريقة الأكثر فعالية لتحقيق الأمن للقارة في مواجهة البرنامج النووي الإيراني.

لقد اعترف مسؤولون أوروبيون بأنهم لا يستطيعون فعل شيء يذكر لتشجيع أكبر الشركات الأوروبية على دخول إيران، على الرغم من أنهم أوضحوا أنهم سيعملون مع الشركات والمؤسسات المالية الأصغر. ومع أن ذلك قد يجلب بعض الاستثمارات الأجنبية إلى إيران، إلا أنه لن يكون وثيق الصلة بما تحتاج إليه طهران لنموها الاقتصادي.

 كاتب في صحيفة «ذي أتلانتك»

Email