تحية إلى زايد في العاشر من رمضان

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ذكرى العاشر من رمضان تستدعي الذاكرة مشاهد البطولات المصرية والعربية التي عشناها يوم السادس من أكتوبر عام 1973 لنستلهم أجواء النصر الممزوج بروح العروبة وإرادة التضامن من أجل البقاء واستعادة الحقوق والحفاظ على الأرض والعرض. في هذه الذكرى يعترف التاريخ بحقيقة الأدوار التي لعبها الأشقاء العرب في تقديم كل الدعم لهذه الحرب العظيمة واتخاذ مواقف واضحة وقاطعة مهما كان الثمن. من المشرق إلى المغرب حرص الحكام العرب على دعم حرب العاشر من رمضان.

المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، من أوائل زعماء العرب الذين تحمسوا ببطولة وقوة ووضوح للدخول مع مصر في معركتها الفاصلة ضد إسرائيل، ودخل في تحديات كبيرة مع قوى دولية وعالمية. ولعل ذاكرتي تستدعي قصة رواها لي رئيس ديوانه آنذاك علي محمد الشرفاء الحمادي إذ روى لي أنه أثناء اجتماع وزراء الخارجية العرب في الكويت عام 1973 سأله الشيخ زايد، ماذا كانت نتائج المؤتمر؟! فأجابه:

قرروا تخفيض إنتاج البترول 5% فقط، فاكفهر وجه الشيخ زايد، وطلب من علي الشرفاء أن يتصل بوزير البترول الإماراتي في ذلك الوقت الدكتور مانع العتيبة، وبالفعل قام بتوصيل حكيم العرب تليفونياً مع الوزير، حيث كلف الوزير بعقد مؤتمر صحافي فوراً، يعلن فيه أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقطع البترول بالكامل عن الولايات المتحدة الأميركية، والدول الغربية التي تساند إسرائيل، ثم قال مقولته الشهيرة: «ليس النفط العربي بأغلى من الدم العربي»، وبعد الإعلان عن هذا القرار توالت قرارات الدول العربية، كما تتضمن رواية رئيس الديوان شهادة أخرى توثق وطنية وعروبة حكيم العرب، وهذه الشهادة جاءت في مؤتمر قمة دول الأوبك في الجزائر عام 1975 في كلمته الافتتاحية عندما أشاد الرئيس بومدين بموقف الشيخ زايد البطولي بقطع البترول، وكان ذلك بحضور الرؤساء والملوك.

هذه المعركة الخالدة لا تزال تنير الطريق أمام الباحثين عن الحفاظ على العزة والكرامة، فرغم مرور 45 عاماً على هذا الانتصار الكبير، إلا أنه لا يزال مصدراً مهماً لتقدير المواقف والتحليل والدراسة في المؤسسات العسكرية في معظم دول العالم لما تضمنه من قوة في القتال وبسالة في أداء الجندي المصري، ومن مفاجآت عجزت إسرائيل عن مواجهتها وانهارت على إثرها أسطورة القوة العسكرية الإسرائيلية التي لا تقهر.

حرب العاشر من رمضان أعادت إلى مصر كرامتها وللأمة العربية هيبتها، إثر هزيمة 1967 التي قادت المشهد إلى ضياع أجزاء من الوطن العربي وعلى رأسها أرض سيناء الغالية، لكن الجيش المصري العظيم ومن خلفه الشعب الصامد استطاع أن يعيد للصورة العربية والمصرية على وجه الخصوص كرامتها وعزتها ويحقق النصر ويعود العلم المصري يرفرف على أرضنا الغالية.

في هذه الذكرى لابد أن نأخذ من موقف حكيم العرب تجاه شقيقته مصر في حربها ضد العدو نموذجاً نحن العرب في أمس الحاجة إليه الآن، فوسط صراعات عالمية وإقليمية تستهدف المنطقة العربية فليس بديلاً أمامنا سوى استدعاء عروبة العاشر من رمضان ووقوف الحكام العرب على قلب رجل واحد.

فالمعركة الآن هي معركة وجود للمنطقة بأكملها، والتحديات مشتركة ومتشابكة ومتقاطعة وألسنة اللهب تطارد الجميع. فملف الإرهاب وخطر التدخلات الإيرانية وملف التحديات التي تحاول العصف بفكرة الدولة الوطنية مثلما هو الحال في سوريا وليبيا واليمن، وغيرها من الملفات التي تتعلق بالأمن القومي العربي، كلها ملفات تحتاج إلى العمل العربي المشترك بالحماس والوتيرة نفسها التي قادها الشيخ زايد، لاسيما أن التحديات الراهنة لا تقل خطورة وجسامة وتحتاج في مواجهتها إلى منصات العروبة التي كانت تدير العاشر من رمضان في السادس من أكتوبر 1973. كل التحية إلى روح الشيخ زايد حكيم العرب، طيب الله ثراه.

Email