غزة تشتعل بلا خطة لإطفاء الحريق

ت + ت - الحجم الطبيعي

تكفلت الصور يوم افتتاح السفارة الأميركية في القدس بقول كل شيء، ففي إحداها ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بمظهر المنتصر الجذل وإلى جانبه جلست إيفانكا، ابنة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزوجها جارد كوشنر وأيديهم تصفق خلال مراسم إعلان افتتاح السفارة التي انتقل موقعها الجديد إلى القدس.

أما في الصورة الثانية، فظهرت صورة لغزة المختنقة بالغاز المسيل للدموع أثناء تظاهرات الاحتجاج التي شهدت استشهاد 52 فلسطينياً وإصابة أكثر من 1200 متظاهر بنيران الجيش الإسرائيلي. وقد تكون تلك الصورتان محط تأمل مارتن إينديك مبعوث وزارة الخارجية الأميركية السابق إلى مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، حين علق على التناقض الواضح بوصفه ب «اللحظة الحلوة المرّة».

لكن تلك ليست الثنائية الوحيدة القائمة عشية اليوم الذي يصادف الذكرى السبعين لتأسيس دولة إسرائيل وما نجم عنها بما يعرف بالنكبة الفلسطينية، التي هجرت قرابة 700 ألف فلسطيني من منازلهم أو أجبرتهم على الفرار من ويلات الحرب التي تمخضت عن ولادة الكيان الإسرائيلي.

إن ما شهدته الأراضي الفلسطينية في الآونة الأخيرة عبارة عن تصعيد عنيف متوقع جاء نتيجة الانقلاب المتعمد على المواثيق والمعاهدات الدولية. إنه مشهد أشعل فيه مقام الرئاسة الأميركية عود ثقاب رمى به إلى علبة كبريت غزة، التي حكم على نصفها بموجب قرار المجتمع الدولي أن يكون خاضعاً للاحتلال الإسرائيلي ومزموع تعيينه العاصمة المستقبلية للدولة الفلسطينية.

وفي خضمِّ الإدانات المتعددة المسترسلة في شجب كل من نقل السفارة الأميركية واستجابة إسرائيل المستميتة وغير المتكافئة مع المتظاهرين العزَّل، يدفع المتحمسون من اليمين المتعصب هامش الشعارات المعتادة المحددة للعدو والصديق مشيرين إلى أن تلك الاستنكارات تستهدف أساساً إسرائيل. وكانت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية المعروفة ب«بيتسلم» التي تصف نفسها بأنها المركز الإسرائيلي للمعلومات عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، قد أصدرت بياناً أدانت فيه استخدام إسرائيل للذخيرة الحية في غزة باعتباره أمراً يدل على «عدم مبالاتها السافرة للحياة الإنسانية».

وحذر دانييل سايدمان، مؤسس منظمة «القدس الدنيوية» غير الحكومية من تبعات نقل السفارة بالقول: «سيكون هناك سفك دماء. إن القنوط مسوغ هائل لزعزعة الأمن» أما شيمي شاليف، أحد كبار كتاب العواميد في صحيفة هآرتز الإسرائيلية فأشار إلى وجود «قاعدة حالية للعلاقات الإسرائيلية الأميركية قوامها الأصوليون ومشجعو الحروب» في إشارة إلى مؤيدي ترامب الذين كانوا من المشجعين على خطوة نقل السفارة، بناءً على نبوءات لا تبشر بنهايات جيدة للشعب اليهودي.

لطالما طالب نتنياهو الولايات المتحدة بنقل سفارتها إلى القدس، والتخلي عن الاتفاق النووي مع إيران. وقام ترامب في الفترة الأخيرة بتنفيذ الأمرين واتخذ قرارات من شأنها تعميق حالة الاضطراب والغليان في المنطقة المشتعلة أصلاً. غير أن التحولين الأخيرين الخطيرين لا يشكلان مؤشراً على وجود سياسة أميركية جديدة. فالسماح باستمرار النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وتعرض الفلسطينيين لمعاناة يومية من جراء الاحتلال أمر شديد السوء، لكنه ليس بأسوأ من الموقف الدولي الذي يتخذ موقف المتفرج منذ وقت طويل.

وإن تعمّد ترامب نقل السفارة يعني أنه لن يكون هناك أي فسحةٍ لمزيد من المتابعات ولا المحادثات المتجددة ولا الدبلوماسية الدولية بل مجرد كلام متعدد الأغراض ينطق به ترامب حيال عقد اتفاق جيد. لا تعتبر تلك سياسة شرق أوسطية إلا إذا كانت تعني ممارسة إشعال النيران والظهور بمظهر فارض العقوبات إزاء فرط العنف الذي تمارسه إسرائيل. وكما نشهد اليوم فإن أبناء المنطقة هم من ستقع على كاهلهم التبعات الفظيعة لحفلة الجنون.

* كاتبة أميركية في صحيفة غارديان

Email