نكبات فلسطين

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتوالى النكبات على فلسطين وشعبها منذ قرن من الزمن، ويقع في كل حادث ضحايا أبرياء من الشعب الفلسطيني بينما يتفرج العالم إما شاجباً أو مستنكراً أو صامتاً أو غير مكترث، ولكن من دون أخذ أي إجراءات ضد من يقتل أو يمثل فيهم. ونرى هذا صراحة فيما يدور اليوم في غزة من تعرض لتظاهرات سلمية خارج حدود دولة إسرائيل، ورغم ذلك لم تتوان إسرائيل في استخدام الرصاص الحي ضد المدنيين. وأطلقت مندوبة الولايات المتحدة، نيكي هيلي، على الأعمال الدموية ممارسة لضبط النفس من قبل إسرائيل لا تتحلى بها أية دولة.

والسبب يعود ربما إلى الوعد الذي أعطته بريطانيا لليهود في إقامة وطن قومي في فلسطين والذي عرف بوعد بلفور في 1917، ولم تذكر أي حقوق سياسية للمواطنين الفلسطينيين، بل اكتفت بذكر عدم المساس بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية. وأصبح المستوطن اليهودي هو صاحب الحق في فلسطين والسكان الأصليين مجرد مجموعة من البشر لا هوية لها فهم طوائف غير يهودية ليس إلا.

ولكن حتى هذه الضمانات بعدم المساس بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية لم تحرز. ويتعرض الفلسطيني، سواء كان من سكان إسرائيل أو ما يعرف بعرب 48، أو الفلسطينيين المقيمين في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى أنواع من الممارسات العنصرية وكثير من الحيف والظلم. وتصادر أراضي الفلسطينيين ويمنع عليهم ممارسة حقوق سياسية أو حتى دينية؛ ويعاني الفلسطيني حتى في الصلاة في أقدس مقدساته في المسجد الأقصى.

وحين فرض المجتمع الدولي التقسيم على فلسطين في العام 1947، لم يراع القرار نسبة الفلسطينيين في البلاد لنسبة المستوطنين اليهود. فقد بلغ عدد السكان الأصليين من الفلسطينيين ما يفوق ضعف عدد اليهود المستوطنين، ورغم ذلك فقد منح المستوطنين أراضي أفضل وأكبر من تلك التي منحت للسكان الأصليين. ورغم ذلك لم يسع المجتمع الدولي إلى تطبيق قراره.

وسمح المجتمع الدولي وقوة الاحتلال البريطاني للمنظمات الصهيونية بممارسة تطهير عرقي، حتى قبل إعلان الدولة الإسرائيلية، أدى إلى طرد وفرار ما يربو على 750 ألفاً من الفلسطينيين والذين أصبحوا لاجئين في البلدان العربية المجاورة. وقد تجاوزت القوات الإسرائيلية الحدود المخصصة لها والتي بلغت 52% من أراضي فلسطين التاريخية لتصل بعدها إلى 78% من أراضي فلسطين.

وما تبقى حوالي 20 % من الفلسطينيين متوزعين على مدن وقرى عدة مثل الناصرة وعكا وحيفا وأم الفحم وضعوا تحت الحكم العسكري. وصودرت أراضي وممتلكات كثير من الفلسطينيين العرب، سواء كانوا من المهجرين أو المتواجدين في أرض فلسطين بعد النكبة تحت مسمى الغائبين الحاضرين. ولم يرفع الحكم العسكري عنهم إلا في العام 1966. ورغم منحهم الجنسية الإسرائيلية إلا أنهم عانوا صنوفاً من السياسات العنصرية.

ومن مفارقات التاريخ أن الفلسطينيين حلوا محل اليهود في مواجهة ما كان اليهود يواجهونه في أوروبا من معاداة للسامية تكللت في النهاية في مذابح النازيين أبان الحرب العالمية الثانية. وتشتت الفلسطينيون بلا وطن أو هوية في بقاع العالم مثل يهود الأمس.

ومع ذلك لم تكتف إسرائيل بذلك، بل سعت إلى وضع مزيد من الفلسطينيين تحت الحكم العسكري باحتلال ما تبقى من فلسطين التاريخية، أي الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي تبلغ مساحتها 22% من مجموع أراضي فلسطين تحت الانتداب البريطاني. وزادت معاناة الشعب الفلسطيني بالوضع الجديد، والذي أسفر عن قيود وتعسف من قبل سلطات الاحتلال. وحرم الفلسطينيون من كثير من الحقوق السياسية والمدنية والمعيشية.

ولا شك بأن قيادات فلسطينية ارتكبت أخطاء ساهمت في زيادة المعاناة كالتورط في السياسات الإقليمية والمحلية في البلدان الذي كانت تقطنها كما في حالة الحرب الأهلية في الأردن في 1970 والحرب الأهلية اللبنانية. ثم كانت الطامة الكبرى حين أيدت القيادة الفلسطينية صدام حسين في غزوه للكويت.

وبعد انكشاف الوضع وضعف الموقف السياسي الفلسطيني وانقسام الدول العربية من جراء مغامرة عسكرية أكلت الأخضر واليابس وخور بالعضد السياسي العربي، دخل الفلسطينيون في مفاوضات أوسلو. وكما ذكر شلومو بن عامي، والذي أصبح لاحقاً وزيراً للخارجية الإسرائيلي بالوكالة، أن اتفاقية أوسلو أسست على قواعد استعمارية جديدة لخلق حالة اعتماد كاملة من قبل الفلسطينيين على إسرائيل.

وعندما حصحص الحق وكانت استحقاقات أوسلو، وجد الفلسطينيون أنفسهم تحت رحمة الإسرائيليين والذين استحلوا الاعتراف الفلسطيني وتوسع في علاقاتهم الدبلوماسية والاقتصادية مع دول كثيرة دون تقديم الكثير في المقابل.

ويجد الفلسطينيون أنفسهم اليوم وبعد سبعين عاماً من النكبة دون وطن ولا هوية ولا سيادة. بل أصبح قتلهم مسألة دفاع عن النفس وعملاً شرعياً كما تقول مندوبة أميركا. وصدق الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي حين قال: أَرَى الموْتَ لا يَرْضَى سِوانا فَرِيْسَةً كَأَنَّا لَعَمْرِي أَهْلُهُ وَقَبَائِلُهْ.

Email