راجعوا مواقفكم.. لسنا عرباً مهزومين

ت + ت - الحجم الطبيعي

رهان الأعداء ينطلق أساساً من اعتقادهم بأن الأمة العربية تمر بواحدة من أسوأ الفترات في تاريخها الحديث، وأنها تواجه من التحديات ما يسهل مهمة الأعداء.. ومن هنا كان التحرك الإيراني المجنون لمد النفوذ ولتهديد الأمن العربي ومحاولة الوصول إلى البحر المتوسط من ناحية وإلى البحر الأحمر من ناحية أخرى. ومن هنا كان أيضا الهوس التركي بنشر القواعد العسكرية عبر العملاء من الأنظمة أو عبر الجماعة الإرهابية التي يقودها التنظيم الدولي نفسه الذي يقود الحكم في أنقرة!!.. ومن هنا أيضا كانت إسرائيل تستفيد من كل هذه التطورات لتتوسّع في الاستيطان وتمضي في التهويد وتستمر في التهام الأرض الفلسطينية وفرض الواقع بالقوة.

علينا أن نعترف أننا ـ في عالمنا العربي ـ واجهنا ظروفاً صعبة على مدى سنوات طويلة لم يتوقف فيها التآمر علينا واستنزاف قوانا. سواء في مقاومة إرهاب سقطت عنه الأقنعة وعرفنا من يدعمه من البداية وحتى الآن، أو باستهداف صريح لتدمير دول أساسية في المنظومة العربية أو لإغراق أخرى في الحروب الأهلية والمذهبية.

نعرف جيداً أننا في وطن عربي خرجت منه ـ ولو مؤقتاً ـ قوة أساسية مثل العراق الشقيق سلمت مقاديره للميليشيات والطائفية والنفوذ الإيراني.. وهو ما يحاول الآن الخروج منه بعد الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب العراقي الشقيق.. ومازال.

ونعرف جيداً أننا في وطن عربي تحولت فيه سوريا إلى ساحة للحروب بالوكالة، وإلى مركز للأعداء الإرهابيين، وإلى نموذج لدمار وطن عزيز ورائع.. عمداً وبإصرار كامل ولمصلحة أعداء الأمة وحدهم.

ونعرف جيداً أننا في وطن أصبحت فيه ليبيا مرتعاً لعصابات الإرهاب التي تهدد المنطقة كلها، وتقاتل فيه إيران ـ عبر العصابة الحوثية ـ جرياً وراء وهم تحويل اليمن إلى قاعدة لنفوذها.. تهدد منه الخليج، وتسيطر على باب المندب والبحر الأحمر.

نعرف ذلك، ونعرف أيضاً محاولات الكيان الصهيوني لكي يستفيد من كل ما يجري لحسم الصراع وتهويد الأرض وإحكام القبضة على الأقصى الأسير إلى الأبد.. ونعرف أيضاً صراعات القوى الكبرى التي جعلت المنطقة ساحة لحروبها بالوكالة في عالم يمر بفترة تحول تعرف هذه القوى الكبرى أنها ستؤدي بالقطع لتغييرات حاسمة في قيادة العالم، وفي أوزان القوى التي تسيطر عليه حتى الآن، والقوى الأخرى المرشحة للصعود.

نعرف ذلك كله، ونعرف بيقين أن إسقاط حكم الإخوان لمصر قبل خمس سنوات كان نقطة فارقة، وأن موقف الإمارات والسعودية وأشقاء آخرين في دعم تحرك شعب مصر في 30 يونيو، كان استعادة لوعي عربي غاب طويلاً، وكان تأسيساً لتحالف قادر على أن يبدأ في مواجهة التحديات وقهرها.

ومن هنا جاء الرد في اليمن الشقيق ليقول لإيران إن سنوات مد النفوذ وإثارة الحروب الأهلية قد ولى، وأن عروبة اليمن لن تكون موضع صراع، ووحدة أبنائه لن تتوانى عن ضرب مؤامرات الفرقة ومحاولات نشر الصراعات المذهبية.

وكان القرار الحاسم بأن الإرهاب واحد، وأن أهله هم جماعة «الإخوان» في جانب، ومن وقفوا في طهران على مدى أربعين عاماً يتآمرون لاختراق الوطن العربي ومحاولة نشر الميليشيات الطائفية لتكون الوجه الآخر لإرهاب الإخوان والدواعش.

ماذا يعني ذلك كله؟!

يعني أنه ـ رغم أي تباينات في الرؤى والمواقف ـ فإن تجربة السنوات الخمس الأخيرة تقول إننا لسنا أمة كتبت عليها الهزيمة. بل أمة تملك الكثير من أدوات النهوض التي تستطيع بها تخطي أصعب الظروف والصمود أمام أعتى المؤامرات.

نعم.. أمامنا الكثير لكي نضمد الجراح، ونستأصل الإرهاب، ونقضي على مصادر الخطر، وننهي الغياب الذي جعل الأعداء يطمعون، والخونة يظهرون خيانتهم.

لكن ما أنجزناه كثير، ومن هنا يبدو القرار الكارثي الذي اتخذه الرئيس الأميركي «ترامب» بشأن القدس، والذي جعل الإدارة الأميركية تتصرف لتصفية القضية الفلسطينية التي ظنوا أنها قد توارت وتراجعت في سلم الأولويات العربية.

مجزرة الاثنين الأسود التي قتل فيها الجنود الصهاينة بدم بارد وبالرصاص الحي أكثر من ستين فلسطينياً عُزّل، وكانوا ضمن عشرات الألوف من المتظاهرين سلمياً من أجل القدس العربية.. هذه المجزرة وما تبعها من مواقف دولية أعلن فيها العالم كله رفضه للقرار الأميركي وللجريمة الإسرائيلية، كشفت بوضوح أن الجريمة لن تمر بأي «فيتو» أميركي وأن القضية لن تصفى بقرار يتعامل مع القدس وكأنها ضيعة أميركية.

جيد.. أن تجتمع الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية لمواجهة الموقف، وأن تطلب من إدارة الجامعة إعداد خطة المواجهة، وبعيداً عن التفاصيل.. فإننا ـ بلا شك ـ نملك من الأوراق العربية ما يجبر الأعداء على التراجع، وما يفرض على المتآمرين إيقاف تآمرهم، واستخدام هذه الأوراق الآن فرض عين.

Email