استراتيجية أميركا في المنطقة بعد الاتفاق النووي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة. وقد كان متوقعاً أن يقوم الرئيس بهذا الانسحاب والذي أكده هكذا مرة. ويؤكد ترامب أن الاتفاق النووي مع إيران هو أسوأ صفقة في التاريخ؛ وأنها أحادية الجانب وتخدم مصلحة إيران وحدها.

وقد كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو عن وثائق عثرت عليها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تمثل كنزاً من المعلومات حول البرنامج النووي الإيراني. وتشير هذه الوثائق حسب ما ورد في عرض نتانياهو أن إيران لم تكن صادقة حول برنامجها النووي. وأن إيران كانت تسعى دائماً وأبداً للحصول على سلاح نووي. كما أن إيران تطور باستمرار وسائل إيصال هذه الأسلحة الخطيرة إلى مدى أبعد بتطوير صواريخها البالستية.

ولعل هذا الكشف الإسرائيلي شجع وقدم الغطاء السياسي لانسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق. ومن المهم معرفة إذا ما كانت هناك استراتيجية واضحة وراء هذا الانسحاب والذي يعتبر أهم حدث في هذه السنة. وما هو البديل لهذا الاتفاق من وجهة نظر واشنطن؟ وما الكلفة السياسية لهذا لانسحاب؟ وماذا سيكون ردة فعل الطرف الآخر لهذا الاتفاق، بل ماذا سيكون ردة أفعال الأطراف كلها لهذا الاتفاق؟ أسئلة كثيرة تثيرها هذه الخطوة رغم توقعها إلا أنها مثيرة حقاً.

يبدو أن الاستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة وإيران بالذات مركبة ومعقدة جداً. فالإدارة الأميركية الحالية ترى أن الاتفاق النووي سمح لإيران بالتوسع والتمدد في المنطقة. فإيران اليوم لاعب أساس في العراق، وأن الغزو الأميركي للعراق أعطى إيران فسحة كبيرة لتعزيز نفوذها في هذه البلد، وحلفاءها يتحكمون في مفاصل كثيرة في الحكومة العراقية.

ويبدو أن الحال ليس بأفضل في لبنان. فأهم فصيل لبناني متمثل بحزب الله والموالي لطهران يبسط سيطرة قوية على لبنان مما يعطي إيران إطلالة مهمة على البحر المتوسط. وبعد الانتخابات النيابية الأخيرة، والتي أعطت حزب الله مقاعد أكثر مما كان له، سيتعزز دوره بشكل أكبر.

وقد تجاوز حزب الله نفوذه في لبنان ليصل إلى سوريا والتي تشهد حرباً أهلية بين قوات النظام والقوات المعارضة. ويلعب حزب الله وإيران دوراً أساسياً في هذا النزاع والذي استمر لسبع سنوات. وإذا ما حقق النظام في دمشق انتصاراً حاسماً على القوى المناوئة له، فإن نفوذ إيران القوي في دمشق سيتعزز أكثر من ذي قبل.

والفصيل اليمني المهيمن على العاصمة صنعاء بعد الانقلاب على الشرعية هو حركة الحوثي الموالية لطهران قلباً وقالباً. وتدور هناك مواجهات بين هذا الفصيل وقوى الشرعية مدعوماً بالتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية. ويتلقى الحوثيون دعماً قوياً من إيران.

وهكذا، نرى أن التأثير الإيراني يتمدد غرباً وجنوباً على حساب الولايات المتحدة وأصدقائها في المنطقة. وليس هناك من رادع لهذا التمدد واتساع النفوذ، والتي ترى فيه واشنطن مخاطر كبيرة على مصالحها وسياساتها في المنطقة.

والآن، وبعد أن تحررت واشنطن من قيود الاتفاق النووي، فإنها ستشعر بحرية الحركة لمواجهة إيران في المنطقة. وقد تكون المواجهة في أحد مناطق نفوذ إيران كسوريا واليمن ولبنان أو بالمواجهة المباشرة عبر زعزعة استقرار النظام أو تدمير نشاطاته النووية بواسطة ضربة عسكرية.

ويروّج مستشار الأمن القومي الأميركي الحالي، جون بولتون، إلى توجيه ضربة عسكرية لإنهاء الأزمة النووية، أو قلب نظام الحكم فيها. ولا يختلف وزير الخارجية الجديد، مايكل بومبيو، عن زميله في الإدارة كثيراً لجهة مواقفه العدائية لإيران، حيث دعا إلى 2000 طلعة جوية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية.

وهناك استراتيجية بعيدة المدى بالنسبة لترامب حول انسحابه من الاتفاق النووي. فكما قال ترامب، في معرض حديثه عن الانسحاب من الاتفاقية، إن واشنطن لا تهدد بل تفعل ما تقول. ولتأكيد هذا أعلن الرئيس أن وزير الخارجية يتجه إلى كوريا الشمالية ليضع اللمسات الأخيرة لاجتماع القمة بين الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الشمالية المزمع عقده قريباً. وإن الرسالة واضحة إلى بيونغ يانغ أن واشنطن تتوقع من كوريا أن توافق على نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية.

وبالنسبة للأطراف الأخرى فإن الأوروبيين لا يشاطرون واشنطن موقفها. وتحذر بروكسل والدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق من مغبة إلغاء هذا الاتفاق. ويرون أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تفاقم الوضع في الشرق الأوسط، بل وإلى الحرب.

أما إيران والمعنية بهذا الاتفاق، فإنها ستحاول دق إسفين بين أوروبا والولايات المتحدة. وإذا ما ظلت طهران متمسكة بالاتفاق رغم الخطوة الأميركية، فإن الشرخ سيتعمق بين ضفتي الأطلسي. ورغم أن الحظر الاقتصادي الذي ستفرضه أميركا سيكون له وقع كبير على اقتصاد إيران إلا أنها ستستطيع تجاوزه إذا ما تعاونت العواصم الأوروبية معها رغبة في تشجيعها على التمسك بالاتفاق النووي.

وكما هو واضح فإن المنطقة مقبلة على أزمة وتحمل معها مخاطر وفرص. سيكون دور الدول العربية فيها اغتنام الفرص وتفادي المخاطر.

Email