زايد.. وعروبة الإمارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنت شاهداً على هذه الصفحة الرائعة من تاريخ الخليج والوطن العربي كله، حين ولدت دولة الإمارات وسط تحديات هائلة استطاعت القيادة الحكيمة للأب المؤسس زايد الخير ومعه رفيق الدرب الصعب الشيخ راشد وحكام الإمارات أن تتخطاها، وأن تضع الأسس المتينة والصلبة لهذا البناء الذي يقدم اليوم مثالاً للتقدم ونموذجاً يتصدر دول العالم في التنمية التي تسعى للخير وتنشر الأمان وتعانق المستقبل، وتصنع كل منجزات العلم لسعادة الإنسان.

لم يكن الطريق سهلاً.. وكان ميلاد الدولة في لحظة تراجع عربي بعد انتكاسة يونيو 1967. ومع هذا كان الوعي الرائع من زايد ورفاقه وخلفهم شعب الإمارات كله على تأكيد عروبة الدولة وعلى أنها جزء لا يتجزأ من هذا الوطن العربي الكبير.. بكل ما يعنيه ذلك من آمال وطموحات، ومن مسؤوليات تحملتها الإمارات حتى اليوم بضمير لا يعرف المساومات ولا يتاجر في المبادئ كما فعل الكثيرون!!

ولست بحاجة هنا لتكرار الحديث عن الدور الرائع لزايد العروبة في حرب أكتوبر أو في معركة البترول، والتي قدم فيها النموذج العظيم لكل قائد عربي يعرف مسؤولياته. لكن فقط تجدر الإشارة في هذا المجال إلى صفحات أخرى ناصعة البياض لم يكشف عنها الستار عن أبعاد هذا الدور سواء قبل العبور العظيم أو خلاله أو في أعقابه. صفحات تؤكد أن «العروبة» بالنسبة للإمارات لم تكن يوماً مجرد شعار للاستهلاك، بل كانت فعلاً يتم، ومسؤولية يتحملها قادتها في كل الظروف ومهما كانت التحديات.

وفي هذا الإطار كان الوعي منذ اللحظة الأولى لميلاد الدولة، بأن «العروبة» ليست مجرد علاقة بين أنظمة، وإنما أساسها الشعوب التي تتوحد مشاعرها وتدرك أن مصيرها واحد وأن مصالحها مشتركة حتى لو اختلف الحكام أو تضاربت سياسات الحكومات هنا أو هناك!!

أتذكر هنا كيف رفض زايد أن يبقى الصومال معزولاً عن العالم العربي بسبب موقف حكامه الموالي للكتلة الشرقية في ذلك الوقت، مما عرضه لحصار غربي زاد من متاعبه الاقتصادية، اخترق زايد الحصار وقدم ما يستطيع من مساعدات لشعب الصومال، رغم بناء المدارس والمستشفيات والطرق، حتى لا يدفع الشعب ثمن صراعات سياسية لا ذنب له فيها، كان الوعي كاملاً بأن السياسات تتغير والحكومات تتبدل والباقي هو الشعوب، والعلاقات بين من تجمعهم العروبة لا ينبغي أن تنقطع تحت أي ظرف.

الشيء نفسه حدث مع اليمن الشقيق في زمن الانفصال. كانت الإمارات حاضرة بالخير للشعب اليمني في الجنوب والشمال معاً، قدمت ما استطاعت من دعم للأشقاء، ووقفت معهم وهو يسعون للوحدة، تركت للسياسيين أن يختلفوا، أو يتفقوا، كان جهدها لمساعدة الأشقاء، وكان دعمها يذهب للخدمات التي يحتاجها المواطن اليمني في الشمال كما في الجنوب.

لم تنحز لتصبح طرفاً في صراع داخلي، بل ظلت مخلصة لما آمنت به على الدوام. أن تساعد ولا تتدخل. أن تكون عامل خير لا يدعو للفرقة ولا يخلق المحاور أو يساعد على استمرار الخلاف. هكذا كانت «عروبة» الإمارات تقود تحركها مع الأشقاء منذ اليوم الأول لميلاد الدولة. وهكذا ظلت تسير على المبادئ التي لم تتغير منذ قامت «الإمارات» نموذجاً للخير، ومجسدة للالتزام العربي الذي لم تبتعد عنه يوماً.

أتذكر ذلك ونحن نتابع ما يفعل حكام قطر بالتحالف مع إيران وتركيا في محاولات فاشلة للإضرار بعلاقات الإمارات مع شعب الصومال، أو لإثارة الغبار حول دعم نضال شعب اليمن الشقيق ضد المذهبية والوجود الإيراني الذي يريد التمدد حتى باب المندب، واتخاذ اليمن قاعدة للقتال ضد كل ما هو عربي في الخليج، كما في باقي الوطن العربي.

ما يفعله حكام قطر هو النتيجة الطبيعية لأكثر من عشرين عاماً من حكم تنظيم «حمد وحمد» الذي كان عنوانه الرئيسي هو مخاصمة العروبة والمساعدة في تدمير أقطارها وتنفيذ مخطط تقسيم المقسم من الوطن العربي.

طوال هذه السنوات منذ انقلاب الدوحة. كانت سياسة قطر تسير على النهج الذي أكده حمد بن جاسم حين «بشر» الجميع باكتشافه (!!) المذهل بأن العروبة خرافة آن أوان إسقاطها!!

وفي هذا الإطار أيضاً مد تنظيم «حمد وحمد» يده إلى العدو الإسرائيلي وأقام أوثق العلاقات مع تل أبيب، وكان طبيعياً بعد ذلك كله أن تتقاطع الطرق بينه وبين عالمه العربي، خاصة حين تصور تحالف الشر أنه حصل على الجائزة الكبرى واستولى على حكم مصر من خلال جماعة الإخوان، وفي حراسة إرهاب دعمته قوى عالمية، وإقليمية.

بينما كانت الإمارات في الموقع الصحيح حين وضعت كل إمكانياتها لدعم تحرك شعب مصر مدعوماً بجيشه الوطني لإسقاط حكم الإخوان العميل.

وتبقى الإمارات مع دول الرباعية العربية في طريقهم. لا يضمرون إلا الخير لشعب قطر الشقيق، يصرون على تلبية حكام الدوحة لكل المطالب التي وضعت أمامهم منذ اليوم الأول. يفعلون ذلك وهم يدركون أن ذلك لا يحقق المصلحة العربية فحسب، لكنه يحقق معها بالضرورة مصلحة شعب قطر المنكوب بحكم تنظيم «حمد وحمد» وتحالفاته مع كل أعداء العروبة والإسلام..

تحية لروح زايد الخير الذي جعل من عروبة الإمارات عقيدة راسخة وبوصلة تهدي إلى الطريق الصحيح، حين تتقاطع الطرق، فتظل الإمارات مع إرادة الشعوب ومصلحة العرب.

Email