العــلاقـات الإماراتية السنغالية

ت + ت - الحجم الطبيعي

من حُسن طالعي أن أغلب ما أواجهه في حياتي هو النقد وغالباً ما يكون في نقطتين، الأولى هي أنني شخصية ذات حديث ارتجالي يمتلك رغبة حقيقية بمُسابقة الزمن وإن لزم الأمر لتجاوزه حتى يصل لأذن مقصده، والثانية فهي عدم استخدامي للورق المُعد سابقاً بأسئلة مُحددة لا يمكن الحياد عنها لمقابلة شخصية ما، في ظروف ما، في بلد ما.

وهذا ما اعتبرهُ مُنتقديّ أحد أسباب الفوضى الفكرية، ودائماً ما يكون ردي أن الارتجال هو حضور ذهني، وتمكنٌ ثقافي، وإنجازٌ عفوي مُباشر لفكرةٌ قرعت أبواب العقل فهللت بها الجوارح، نعم آمنتُ بنفسي فغادرني القلق، وتوجني الاجتهاد، وعشقني النجاح، واصطحبني التألق، فقط عندما آمنتُ بنفسي.

قد تبدو تلك المُقدمة مناسبةٌ لحديثي اليوم عن دولة آمنت بنفسها وراهنت على أبنائها، ورسخت قيماً لجبهتها الداخلية وعولت على سياستها الخارجية فأصبحت نموذجاً ناجحاً في أفريقيا تلك القارة التي تُرك لها ماضيها عمداً حتى لا تنساه وسُلب منها مستقبلها عنوةً حتى لا تحياه.

السنغال أو السونو غال، تعددت الروايات في معناها، فهناك من يقول أنها تعني «قاربنا» باللغة الولوفية (اللغة الأشهر استخداماً في السنغال)، وهناك رأي يقول إن اسم السنغال هو زنكال وهو اسم لقبيلة صنهاجة القادمة من الشمال في القرن الحادي عشر الميلادي والتي لها الفضل في نشر الإسلام في غرب أفريقيا.

دولياً تُصنف السنغال من الدول التي استطاعت أن تفرض نفسها كنموذج مثالي أثبت نجاحه على الأصعدة كافة سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً. فسياسياً، السنغال دولة لم تشهد انقلابات عسكرية منذ ما يزيد على ستة عقود، أما اقتصادياً فالسنغال اليوم هي مركز نقدي وتجاري واستثماري للعديد من الدول.

هذا بالإضافة إلى اختيارها كمقر لكثير من المؤسسات المالية والنقدية بسبب استقرارها السياسي، أما اجتماعياً فبرغم الاختلافات العرقية والدينية في السنغال إلا أنها لم تشهد صراعاً طائفياً كقريناتها الأفريقيات.

تاريخياً، يرتبط تاريخ السنغال بثلاثة ممالك أفريقية قديمة وهي إمبراطورية غانا ومملكة مالي، وإمبراطورية سونغاي، وقبل تلك الممالك ظهرت في السنغال دول أهمها: دولة تكرور، ودولة دينياكي التي أسستها عرقية البولار في شمال شرقي البلاد، وإمبراطورية الولوف في مناطق والو/‏ كايور/‏ باول وذلك في القرن الرابع عشر.

عرفت أرض السنغال بعد ذلك تنافُساً استعمارياً بين عدد من القوى الاستعمارية هولندا، فرنسا، بريطانيا إلا أن ذلك التنافس سُرعان ما انتهى لصالح باريس التي أحكمت قبضتها على السنغال وأصبحت مدينة سانت لويس عاصمة لها.

اتحدت السنغال ومالي بعد ذلك فيما سمي بفيدرالية مالي، إلا أنها لم تستمر طويلاً، ومن خلال رحلتي لدول غرب أفريقيا أكد لي بعض الباحثين والمؤرخين لتلك الفترة أن جمهورية مالي كانت تسمى بالجمهورية السودانية ولكن بعد انفصالها عن السنغال تسمت باسم جمهورية مالي، واستقلت السنغال بعد ذلك عن فرنسا 1960 وأصبحت داكار عاصمة لها.

العــلاقـات الإماراتية السنغالية السعودية

تتميز دولة الإمارات بعلاقتها مع جمهورية السنغال متفوقة بذلك على قريناتها الخليجيات ويرجع السبب في ذلك إلى برامج منتدى صناع القرار الخليجي الأفريقي الذي نظمته دولة الإمارات من خلال شركة إليت ماف في يناير 2018 والذي سيكون بداية لتكتل اقتصادي أفريقي خليجي والعمل على تحويله لمنتدى سنوي تستضيفه كل الدول الأفريقية.

كما وقعت شركة موانئ دبي مذكرة تفاهم لإنشاء منطقة لوجستية حرة بالقرب من مطار وميناء السنغال الجديد، وقدم صندوق أبوظبي للتنمية قروضاً بلغت 193 مليون درهم.

كما أبرمت شركة ديار الإماراتية اتفاقية مع مؤسسة دبي للعطاء لتأسيس مدارس في منطقة فاتيك السنغالية وذلك ضمن برامج تعليمية خاصة للبالغين، وتأكيداً لحرص دولة الإمارات على تعزيز العلاقات الإماراتية السنغالية تم افتتاح المقر الجديد للسفارة الإماراتية في العاصمة السنغالية داكار في مارس من العام الجاري.

أما المملكة العربية السعودية ففي فبراير 2016 وافقت الرياض على تمويل مشروع السنغال الاستراتيجي وهو عبارة عن سكك حديدية للقطارات السريعة يربط بين العاصمة داكار ومطار بليز ديان الدولي الجديد، كما ساعدت المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص داكار في إصدار صكوك سيادية في السوق الإقليمي للاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا، خاصة أن الصكوك السنغالية تعتبر أول صكوك سيادية صادرة من قارة أفريقيا.

وهذا ما مهد الطريق لدول غرب أفريقيا من اعتبار الصكوك أداة بديلة للتمويل، ويهدف البنك الإسلامي إلى تعزيز جاذبية التمويل الإسلامي في تلك المنطقة التي يقطنها أكثر من 70% من المُسلمين، كما يهدف إلى تشجيع الصادرات ودعم المشروعات التنموية، كما دعمت الرياض برنامج أوكسفام في السنغال لتحسين فرص دخول العمل.

* باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي

 

Email