عن أية مصالحة يتحدث الإخوان؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

مرة أخرى عادت جماعة الإخوان الإرهابية إلى حديث «المصالحة» المخادع. الجماعة لا تنسى تاريخها ولا تتعلم منه، لا تدرك أن تسعين عاماً من تجربتها المشؤومة قد علمت الجميع أنها لا تحمل الخير يوماً كما وعدت، ولم تأت إلا بالدمار والخراب، ولم تحسن إلا التآمر على الأوطان والإساءة للدين الحنيف.

لا يرتفع حديث «المصالحة» عند الجماعة الإرهابية إلا عندما تخشى النهاية أو تحترق كل أوراقها، هكذا كان الأمر منذ نشأتها المشبوهة بدعم الاحتلال والتمويل الأجنبي، وهكذا كان سلوكها منذ أيام مؤسسها حسن البنا.

قبل سنوات حدثني المناضل الوطني الراحل فتحي رضوان كيف جاء له حسن البنا قبل يومين من اغتياله، مصاحباً عدداً من شباب الجماعة «كانوا على الأرجح هم قادة الجهاز السري المكلف بالاغتيالات» لكي يقسم أمامه أنه سيهجر السياسة ويرجوه أن ينقل ذلك لزعماء الأحزاب السياسية، ويقول للشباب الذين صحبهم إن من أراد العمل السياسي فعليه أن يترك الجماعة ويذهب مع فتحي رضوان في حزبه الصغير الذي كان يسير على نهج الحزب الوطني القديم الذي قاده الزعيم مصطفى كامل.

كانت الجماعة منذ ذلك الوقت قد ارتكبت جريمة اغتيال رئيس الوزراء النقراشي، وكان البنا يدرك أن الأمر قد انكشف.. وأن سنوات تعاونه مع القصر ومع الإنجليز ضد الحركة الوطنية قد كشفت جهازه السري، وكشفت ما هو أهم.. وهو أنه شخصياً يقود هذا الجهاز ويصدر له التكليفات وأوامر الاغتيالات. كان البنا يدرك أن الأزمة هذه المرة أكبر من أكاذيب الجماعة حول الدعوة، وأن عشرين عاماً من عمر الجماعة في الإرهاب (في ذلك الوقت) كانت كافية في كشف حقيقتها.

على مدى السنين بعد ذلك كانت المصالحة عند جماعة الإخوان لا تعني إلا الخروج من أزمة طاحنة، والاستعداد للوثوب إلى السلطة، والاستمرار في طريق الإرهاب الذي لم تقلع عنه يوماً، أخذت الفرصة مرة أخرى مع ثورة يوليو، فكانت النتيجة محاولة الهيمنة على الثورة والدولة، وعندما تصدى جمال عبدالناصر لذلك.. كان إرهاب الجماعة حاضراً، وجهازها السري على أهبة الاستعداد ليحاول اغتيال عبدالناصر، وليكون الرد القاصم من الدولة.

مع ذلك، ورغم محاولات أخرى للانقلاب على الحكم كان أشهرها مؤامرة سيد قطب عام 1965 التي كانت تستهدف تدمير كل المرافق الأساسية واغتيال قيادات الدولة والاستيلاء على الحكم.. رغم كل ذلك كان الخطأ المميت من السادات، حين عقد مصالحته معهم بنصائح مستشاري السوء في الداخل والخارج، لينقلبوا عليه بعد ذلك ويكون اغتياله هو نتيجة هذه المصالحة المأساوية التي استمرت آثارها بعد ذلك حيث ترك الإخوان يثبتون أقدامهم في منظمات المجتمع، إلى أن استطاعوا بعد يناير 2011 أن يسرقوا الثورة ويخدعوا الجميع ليستولوا على الحكم بدعم مباشر من أميركا وأتباعها في المنطقة، وليكون عام حكمهم الأسود لمصر هو النقطة الفارقة في تاريخ المنطقة كلها، حيث أصبحت الجماعة الإرهابية هي رأس الحربة في مخطط تركيع العالم العربي وإسقاط دوله وإعادة رسم خريطة المنطقة وفقاً لمصالح الأعداء، وعلى حساب مصر والأمة العربية.

مأساة الإخوان أنها لا تريد إدراك حقيقة أن 30 يونيو لم يكن إسقاطاً لحكمها مصر فقط، ولكنه كان تاريخ النهاية حتى وإن تأخر صدور شهادة الوفاة الرسمية!!

كعادتها.. تهرب الجماعة الإرهابية من الحقيقة وتستمر في الإنكار، يساعدها في ذلك موقف خاطئ لأطراف دولية مازالت ترفض إدراج الإخوان في جماعات الإرهاب، ويساعد الجماعة على الاستمرار في حالة الإنكار أيضا، دولة إقليمية مازالت تعيش أوهام استعادة أيام احتلالها للدول العربية، كما تساعدها دويلات عربية وجماعات إرهابية ربطت مصيرها بمصير الجماعة، كما تفعل قطر منذ انقلاب «حمد وحمد» الذي استباح ثروات الشعب القطري لخدمة مخططات الإخوان والتحالف مع أعداء الأمة لنشر الخراب والدمار وتنفيذ مؤامرة إشاعة الفوضى «غير الخلاقة» في العالم العربي.

وهكذا.. في الوقت الذي تمضي فيه مصر لاجتثاث الإرهاب الإخواني ـ الداعشي من سيناء وباقي أنحاء مصر، وفي وقت تتكشف فيه الحقائق حول الجرائم التي ارتكبها تحالف الإخوان مع حكام قطر لتدمير دول عربية شقيقة. وفي وقت تضيق فيه الحلقات حول كل جماعات الإرهاب والدول الداعمة له. في هذا الوقت نجد الوجه القبيح للحكم في قطر يعود مع حديث حمد بن جاسم عن «المصالحة»!! ونجد القيادي الإخواني «كمال الهلباوي» يطلق دعوة إخوانية جديدة ومكررة عن «مصالحة» مزعومة لا مكان لها في جدول أعمال شعب مصر المشغول بالإجهاز على بقايا إرهاب الإخوان، والعمل المستمر لبناء الدولة التي حاولوا ـ على مدى عمر الجماعة ـ تدميرها!!

بالنسبة لقطر.. الطريق أمامها واضح أن تنفذ مطالب الرباعية كاملة وأن تعتذر عما شاركت فيه أو دعمته من جرائم ضد الأشقاء وضد شعب قطر نفسه الذي يعاني منذ أكثر من عشرين عاماً من حكم يسير في الطريق الخطأ والسياسات الخطأ والتحالفات الكارثية، بعدها ستعود قطر إلى مكانها بعيداً عن حكم «حمد وحمد» وعن سيطرة الإخوان وعن خطايا التآمر ضد الأشقاء!!

أما الإخوان فلا أحد يدري عن أي «مصالحة» يتحدثون؟!.. لقد استنفدوا كل رصيد في بنك الخداع الذي عاشوا عليه تسعين عاماً، وظلوا على مدى السنين يقولون إنهم حماة الوطن، وإنهم خير المدافعين عن استقلاله وتقدمه.. فلم يقدموا ـ على مدى تسعين عاماً ـ إلا المثال الحي لخيانة الأوطان، ولم يتوقفوا يوماً عن الزعم بأنهم ليسوا طلاب سلطة، فإذا بهم لا يفعلون شيئاً إلا محاولة الوصول للسلطة بغير الطريق الشرعي، هكذا قاوموا إرادة الشعب في 30 يونيو واستمروا في التآمر «مدعومين من قطر وتركيا وباقي أعداء مصر» لكي يحولوا الدولة العربية الأكبر إلى ساحة للحروب الداخلية، بعد أن فقدوا الأمل في أن تكون قاعدتهم الأساسية للهيمنة على الوطن العربي.

لا تصالح مع الإرهاب الذي أصبح الإخوان عنوانه الرئيسي. هم بأنفسهم أسقطوا الأقنعة.. والشعوب ـ بتضحياتها الجسام ـ لن تقبل الخديعة مرة أخرى.

 

 

Email