قمة الكوريتين اختبار لنوايا بيونغيانغ

ت + ت - الحجم الطبيعي

طغت حالة الترقب التي أحاطت بمتابعة القمة الوشيكة بين زعيم كوريا الشمالية كيم يونغ-أون والرئيس الأميركي دونالد ترامب، في أواخر مايو/أوائل يونيو، بطريقة ما، على اجتماع القمة بين رئيس كوريا الجنوبية مون جاي-إن والزعيم كيم، لكن هذه القمة الأخيرة بين الكوريتين، الشمالية والجنوبية، هي مهمة في حد ذاتها، وتشكل اختباراً مهماً لصدق بيونغيانغ المؤدي الى القمة الأميركية والكورية الشمالية.


أولا، حققت كوريا الجنوبية انتصاراً من نوع ما في اقناع كيم بالمجيء اليها (أو عملياً الى القسم الجنوبي من المنطقة المنزوعة السلاح) من أجل عقد اجتماع، بدلاً من أن يكون مون رئيس كوريا الجنوبية الثالث الذي يغامر بالذهاب إلى بيونغيانغ من دون تبادل للزيارة.


أما الأهم من ذلك، فهي الألقاب المستخدمة. وتشير بيونغيانغ دوماً إلى نفسها باسم "جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية"، لكنها تصر على الإشارة إلى جارتها بـ "كوريا الجنوبية" باستخدام الحرف الأول لـ "كوريا" باللغة الانجليزية بشكله المصغر. ففي حال أشارت جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية إلى مون بأنه رئيس جمهورية كوريا، فإنها تشير بذلك إلى استعدادها (أخيراً) لمعاملة حكومة سيول كدولة سيادية معادلة لها، وبالمستوى نفسه من الاحترام الذي يتطلبه ذلك.


وما هو معروض على جدول أعمال القمة يمثل اختباراً آخر. فقد أعلنت سيول عن رغبتها في مناقشة معاهدة سلام مع بيونغيانغ لتحل محل الهدنة التي مضى عليها 65 عاماً، وقد منح ترامب بركاته لها لإجراء هذا النقاش. لكن بيونغيانغ رفضت في الماضي مناقشة الموضوع بشكل مباشر مع سيول، مصرة على أنه طالما كوريا الجنوبية ليست موقعة على اتفاق الهدنة، فإنه ينبغي ألا تحظى حتى بمقعد على الطاولة المفاوضات. ومن الناحية الفنية، كان التوقيع على الهدنة من قبل ضباط في الجيش يمثلون القيادة الأميركية / والأمم المتحدة، والجيشين الصيني والكوري الشمالي، أما زعيم كوريا الجنوبية في وقتها، ري سينغمان، فقد رفض توقيع قائد الجيش لأنه لم يكن يريد وقف قتال كوريا الشمالية.


وبينما تصر بيونيانغ على ضرورة توقيع اتفاق سلام بينها وبين واشنطن (مستثنية بكين أحياناً)، فان موقف واشنطن المستمر منذ فترة طويلة كان يفيد (وعن حق) بأن كوريا الجنوبية يجب أن تكون على طاولة المفاوضات، ليس هذا فحسب، لكن أيضا ينبغي أن يكون لها دور قيادي. وكانت المحادثات رباعية الأطراف خلال إدارة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتيون، والهادفة إلى إحلال اتفاق سلام مكان اتفاق الهدنة، قد انهارت على هذه النقطة. ففي حال كانت كوريا الشمالية أخيراً على استعداد للاعتراف في النهاية بدور سيول الرئيسي في صياغة معاهدة سلام لإنهاء الحرب الكورية رسمياً، فإن هذا سيكون تحولاً كبيرا في السياسة وإشارة مهمة أخرى إلى حسن نية كيم.


ومن المحتمل أن أهداف كوريا الشمالية بعيدة المدى تكمن في التخلص من القوات الأميركية والمظلة النووية المرافقة لها، لكنها تبدو، على المدى القريب، مهتمة في المقام الأول برفع العقوبات الأميركية وتلك التي يفرضها مجلس الامن الدولي وجمهورية كوريا، والاستحواذ على مساعدات اقتصادية. وكان كيم يونغ-أون قد وعد شعبه بأسلحة نووية وتنمية اقتصادية، بموجب سياسة "بيونجين". وقد وفى بوعده، في جزئه الأول، ويحتاج الأن لإظهار بعض التقدم على الثاني. لكن ما هو على استعداد ليقدمه في المقابل؟


فقد أصرت إدارة مون على إدراج موضوع نزع السلاح النووي على طاولة المفاوضات، وان المطلوب لدفع العلاقات الثنائية الى الامام التزام كيم بالتخلي عن ترسانته النووية. وكانت بيونغيانغ قد رفضت على الدوام حتى ذكر مصطلح نزع السلاح النووي في تعاملها مع كوريا الجنوبية، مصرة على أن هذا الموضوع مخصص حصرياً لبيونغيانغ وواشنطن. فهل سيلتزم مون بوجهة نظره؟ والاهم، هل سيتراجع كيم ويسمح على الأقل بظهور إشارات الى نزع السلاح النووي في جدول الاعمال والبيان المشترك؟ سيكون هذا اختبار اخر هام لنية كيم (وصمود مون). أما القضية الأكبر، المتعلقة بالتعريف المختلف لكل جانب لما يمثله نزع السلاح النووي، فتحتاج إلى تسوية بين وشانطن وبيونغيانغ، لكن يجب أولاً القبول بهدف نزع السلاح النووي القابل للتحقق من جانب الجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية.


شيء آخر يفترض مراقبته في المفاوضات، يتعلق بأي إشارة إلى تجميد صاروخي و/او نووي. السؤال المطروح هنا يتعلق بما سيجري تجميده؟ فقد سبق أن أعلنت بيونغيانغ بالفعل وقف التجارب الصاروخية والنووية. لكن هل ستقبل باحتمال تجميد في برامجها النووية والصاروخية؟ ذلك أنه من السهل إيقاف التجارب (طالما أعلنت بيونغيانغ أصلاً بأن جولتها الحالية من التجارب قد استكملت)، والتحقق من ذلك، لكن كيم يونغ–أون قال أيضا إن تركيزه الآن ليس منصباً على التجارب والاختبارات وانما على تسريع إنتاج الاسلحة النووية والصواريخ. وسيكون الاتفاق على وقف هذه البرامج التي تتطلب تفتيشاً تدخلياً لأغراض التحقق إشارة أخرى الى أن ببيونغيانغ جدية بالفعل. صحيح أن وقف التجارب هي خطوة أولى مهمة، حيث أنها تساعد في منع اتجاه الأمور للأسوأ، لكنها غير كافية لتحويل الأمور نحو الأفضل. وقد قال مسؤولون كبار في جمهورية كوريا إنهم سوف يصرون على وقف البرامج، وليس فقط التجارب. فهل ستوافق بيونغيانغ على هذا الهدف؟


لكن حتى لو أن الاتفاق الأولي الوحيد سيكون بشأن التجارب، أعربت بيونغيانغ في الماضي عن اعتقادها بأن وقف الاختبارات لا يطبق على برنامج الأقمار الاصطناعية. لنتذكر بان اتفاق "التجميد مقابل المساعدات" لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما انهار عندما أعلنت كوريا الشمالية لاحقاً عن إطلاق قمر اصطناعي في انتهاك مباشر لعقوبات الأمم المتحدة ضد أي نوع من النشاط الصاروخي. فهل سيوافق كيم على أن يتضمن اي تجميد للصواريخ تجميد إطلاق الأقمار الاصطناعية، أم أنه سيخطط لإطلاق قمر اصطناعي في المستقبل القريب لاختبار مدى رغبة سيئول (وواشنطن) في إجراء محادثات.

وأخشى ان يكون الاحتمال الأخير أكثر ترجيحاً من الأول.وأخيراً، أفاد الرئيس مون أنه يود أن يكون هذا اللقاء الأول ضمن سلسلة من القمم المستمرة بين الزعيمين. فهل سيوافق كيم على هذا الامر، ويوافق أيضاً على أن تكون إحدى تلك القمم في سيول؟ هل سيوافق أيضا على وضع تدابير بناء الثقة بين الجيشين على طاولة المفاوضات؟ وكان افتتاح خط ساخن بين الكوريتين الشمالية والجنوبية خطوة أولى هامة، لكن هناك لائحة لا تنتهي من الخطوات الإضافية يمكن ان يتخذها الجيشان لنزع فتيل التوتر، بما في ذلك تقليص التدريبات العسكرية من كلا الجانبين.
المشككون بشأن اندفاعة السلام الحالية لبيونغيانغ مثلي، يشككون في احتمال إرسال بيونغيانغ أي إشارات تنم عن حسن نوايا كتلك المذكورة أعلاه. بأمل أن أكون مخطئاً.

 

Email