عالمنا العربي والاستعمار الجديد

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ مطلع الثمانينيات وانتهاء الحرب الباردة بين القطبين ومنطقتنا العربية تعاني من عدم الاستقرار السياسي. فما أن تخرج من أزمة كبرى حتى تدخل في أخرى جديدة.

البعض يدعي أن عدم الاستقرار في العالم العربي هو من نتاج الفقر والبطالة والاستبداد، وهي أسباب طبيعية ومنطقية لعدم الاستقرار والقلاقل ليس في منطقتنا فقط، بل وفي مناطق أخرى من العالم.

ولكن نظرة على الخلافات العربية - العربية، والديناميكية التي تسير عليها، لا تدع مجالاً للشك بأنها تلقى التمويل والرعاية من تيارات خارجية لها مصلحة في جعل منطقتنا بؤرة دائمة لعدم الاستقرار؛ فقد وقعت المنطقة العربية ضحية للعبة الأمم أو «صراع الديوك»، كما يسمى، والرامي إلى اقتسام مناطق النفوذ؛ فالمنطقة العربية ليست فقط غنية بالمصادر الطبيعية، بل أثبتت على مر التاريخ أنها مهمة حضارياً واقتصادياً واستراتيجياً، فهي جسر تواصل وعبور، كما أنها المنطقة التي احتضنت الأديان السماوية.

وعلى مر التاريخ أيضاً أدركت الكثير من القوى الأوروبية أهمية السيطرة عليها، سواء عن طريق مباشر أو غير مباشر، وهكذا كانت هدفاً دائماً للهجمات الاستعمارية الغربية الممنهجة. وما يحدث في منطقتنا الآن هو استمرار لتك الهجمات الاستعمارية التي شهدها العالم العربي منذ القرون الوسطى وحتى العصر الحديث.

إن ما حدث في المنطقة العربية لم يحدث صدفة، وليس نتاجاً لعوامل داخلية بحتة أو صراع على السلطة أو صراع إيديولوجيات، كما يعتقد البعض، أو ثورة ضد الفقر والاستبداد فقط

. فمن المؤكد أن العوامل الداخلية لعبت دوراً مؤثراً في تجييش الشعوب ضد عدد من الأنظمة، ولكنها لم تكن وحدها التي دفعت للاضطرابات الداخلية، وأوقعت الدول العربية في خلافات وحروب مع جوارها الإقليمي، فالمتغيرات الاقتصادية والتنافس الأجنبي على المنطقة دفع بالمنطقة ككل إلى أتون الحروب والنزاعات الإقليمية وخلف وراءه العديد من الآثار الداخلية والخارجية.

فلا غرو أن تصبح المنطقة العربية في العقود الماضية أكبر مصدر للأفكار والأيديولوجيات المتطرفة، وأكثر المناطق توتراً في العالم وأكثر مناطق العالم دفعاً بالهجرات إلى الخارج.

وكل ذلك لم يحدث لأن المنطقة العربية فقدت فجأة روح التعايش بين أطياف المجتمع الواحد، أو أصبحت أكثر تديناً عن ذي قبل، بل حدث لأن المنطقة العربية باتت كالبقعة المكشوفة غير المحصنة والقابلة للاشتعال.

وبما أن كل مسوغات الخلاف والنزاعات متوفرة، فقد أصبحت مسرحاً لكل أنواع حروب العصر؛ فما أن ينطفئ فتيل نزاع حتى يشتعل آخر، وما أن تنطفئ حرب حتى تنشب أخرى. وفي هذه الحروب والنزاعات تتدخل فيها القوى الخارجية تمويلا وتخطيطا، تارة تحت غطاء إطفاء فتيل الحرب، وتارة أخرى تحت غطاء الوقوف مع طرف ضد طرف.

لقد شهد العالم منذ الألفية الثالثة حقبة جديدة من المتغيرات الفكرية احتل العالم العربي في أجندتها الصدارة. وأعطت تلك المتغيرات الفكرية المجال لأطراف خارجية عدة فرصة في التدخل، إما لإشعال النزاعات، وإما لاستغلالها لتنفيذ أجندة طالما كانت تمناها. ومما ساعد في زيادة اشتعالها وجود أطراف داخلية مستفيدة.

فمثلاً، دول مثل إيران وتركيا، وهي التي أدركت بأنها إذا لم تتحرك سريعاً فقد يفوتها جزء من الكعكة، كان لها دور كبير في إشعال نار الخلافات في العالم العربي. ففي مناطق متعددة لعب النفوذ الإيراني والتركي دوراً بارزاً في صب الزيت على النار.

وعلى الرغم من العلاقات التاريخية الموجودة منذ القدم بين هذه الدول الإقليمية وبين العالم العربي، إلا أن هذه الدول لم تتوان في الاستفادة من كل نزاع عربي. بينما لم يفد العالم العربي من كل المقومات التي تجمع شعوبه في أن يكون قوة كبرى، أو حتى الوقوف صفاً واحداً ضد كل حملات التفرقة والتشرذم الممول من الخارج.

فهو اليوم يبدو ضعيفاً متشرذماً، الأمر الذي يفاقم أزماته الداخلية. فهل يفيق العالم العربي من أزمته تلك أم سوف يظل صيداً سهلاً للآخرين؟

 

 

Email