المشروع الصهيوني بين النصر والهزيمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا بد أن يتخلص الوعي العربي والفلسطيني من عقدة انتصار المشروع الصهيوني، فهو انتصر بمعنى ما، ولكنه انهزم بمعنى آخر، أما الانتصار فيعني أنه نجح في إقامة دولة يهودية، تشير كافة المؤشرات إلى تقدمها بالمعايير العالمية، ولكن هذا المشروع انهزم بمعنى أنه لم يتمكن من إلغاء الشعب الفلسطيني والتخلص منه، رغم أنه استخدم التطهير العرقي والإبادة في بعض مراحل تطوره.

في الحالة الفلسطينية وبسبب العمق الجغرافي والحضاري والتاريخي لم يتمكن المشروع الصهيوني من تحقيق هذا الهدف، فمقابل مئة عام من عمر هذا المشروع ثمة مئة عام من الرفض والمقاومة المتنوعة والمواجهات العسكرية.

والواقع، لا ينبغي الارتكان عربياً إلى حتمية انهيار الكيان الإسرائيلي، استناداً إلى انهيار مملكة القدس الصليبية في المنطقة في العصور الوسطى (القرنان الحادي عشر والثاني عشر)، فهذا القياس التاريخي مضلل من أكثر من زاوية فهو أولاً يشيع نوعاً من الحتمية التاريخية، أي حتمية انهيار الكيان الإسرائيلي بفعل تناقض هذا الكيان مع منطق الحق والتاريخ.

وأن هذا الانهيار يعود إلى أسباب داخلية ذاتية تتعلق بإسرائيل، كما أنه يشيع نوعاً من التواكلية والاعتمادية المستندة، إلى هذه الواقعة التاريخية، في حين أن الظروف والملابسات التي أفضت إلى انهيار الممالك الصليبية في القدس كانت تنصرف إلى العزلة عن المنطقة وانقطاع الإمدادات من المصادر الغربية وظهور الرفض من قبل العالم الإسلامي بقيادة صلاح الدين في مواجهة هؤلاء الغزاة.

وكذلك التنافس والصراع بين أمراء هذه الممالك وقادتها، وهو ما يناقض الحالة الإسرائيلية الراهنة إلى حد كبير، فالدعم الغربي والأميركي لوجود إسرائيل ممتد ولا شيء حتى الآن ينبئ بانقطاعه.

بينما تتواجد عبر الجاليات واللوبيات اليهودية في مختلف دوائر صنع القرار السياسي والعلمي والاستراتيجي في الغرب، يضاف إلى ذلك أن إسرائيل امتلكت ديناميكية خاصة لإعادة إنتاج القوة بمختلف أشكالها العسكرية والعلمية وتمكنت من تحقيق الاعتماد الذاتي ومرتكزاته على الأرض.

ولا يعنى ذلك مطلقاً توفر حصانة غير قابلة للاختراق لإسرائيل، لا سيما أنها حتى الآن لا تزال الدولة المستعمرة الوحيدة رغم انتهاء الاستعمار، وأنها تؤهل نفسها للتحول إلى دولة عنصرية في المنطقة.

وهناك أفكار للتأثير العربي في المجال الدولي لدعم إقامة الدولة الفلسطينية منها، مطالبة المنظمات والهيئات الدولية بالاعتراف بانطباق مفهوم (الهولوكوست) على الشعب الفلسطيني.

نجحت الصهيونية العالمية في استثمار اضطهاد النازي لليهود خلال الحرب العالمية الثانية إلى حد جعل من تاريخ هذه الفترة المتعلق باليهود محوراً أساسياً من محاور العمل الإعلامي والسياسي؛ للحصول على تعاطف القوى الكبرى تجاه إسرائيل. ولا تزال الصهيونية وإسرائيل يستثمران هذه المقولة في دعم إسرائيل مادياً وإعلامياً.

ومنذ ذلك التاريخ، حصلت الصهيونية على اعتراف القوى الكبرى صراحة أو ضمناً بالتصفية الجسدية لليهود خلال الحرب العالمية الثانية، مع ما ترتب على ذلك من مساندة القوى الاستعمارية للصهيونية، وتخصيص اليهود وحدهم دوناً عن بقية الجماعات البشرية بالتعرض للاضطهاد والتصفية والعنصرية.

وقد استمر تمتع اليهود بهذا «التفرد» واعتراف العالم به؛ أي تعرضهم دون غيرهم للتصفية على أسس عرقية ودينية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1987 حيث حصل الأرمن على اعتراف البرلمان الأوروبي بأن المذابح والتشريد اللذين تعرضوا لهما خلال أعوام 1915 - 1916 في الحرب العالمية الأولى، يمكن أن ينطبق عليه مفهوم «التصفية» و«الهولوكوست».

وهنا، نقترح أن تطالب الدول العربية الهيئات والمنظمات الدولية بالاعتراف بأن ما حدث ويحدث للشعب الفلسطيني قبل عام 48 وبعده وحتى الآن يقع تحت مفهوم «التصفية».

كما حدث مع اليهود ومع الأرمن، وأن تطالب الدول العربية «الضمير العالمي» بإعادة النظر في ما يحدث للفلسطينيين، وإذا كان مفهوم «التصفية» يعني قتل وتشريد أعضاء جماعة بشرية بسبب اللون أو الدين أو العنصر واقتلاعهم من جذورهم، فلم لا ينطبق ذلك في الحالة الفلسطينية؟

 

Email