ماذا يجري في أوروبا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخطاب السياسي المستخدم في دول أوروبية عدة يشبه إلى حد كبير الخطاب السياسي لتيار ترامب في الولايات المتحدة، ويمثل تحدياً كبيراً للاتحاد الأوروبي.

فمن المجر والتشيك إلى بولندا والنرويج، تتصاعد ملامح معاداة الهجرة وتحميل المهاجرين المسؤولية عن الأزمات المجتمعية.

ففي دولة التشيك، بدا خطاب رئيس الدولة يوم تنصيبه وكأنه نسخة من خطب الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فبعد انتخابه للمرة الثانية رئيساً شرفياً لبلاده، ألقى الرئيس التشيكي، ميلوس زيمان، خطاباً هاجم فيه الصحافة والصحافيين، وذكر في هجومه بعض الصحف بالاسم، تماماً مثلما يفعل ترامب.

وميلوس زيمان الذي كان رئيساً للوزراء في التسعينيات، ثم رئيساً لبلاده معادٍ للهجرة والمهاجرين، دعا في حملته الانتخابية لإجراء استفتاء على غرار البريكست للخروج من الاتحاد الأوروبي بعد أن خسرت بلاده قضيتها أمام محكمة العدل الأوروبية بخصوص استقبال المهاجرين.

وكانت القضية أمام محكمة العدل الأوروبية قد رفعتها بروكسل ضد دولة التشيك، التي انضمت لها لاحقاً كل من سلوفاكيا والمجر.

وقد رفعت بروكسل الأمر للقضاء حينما لم تقبل التشيك سوى 12 لاجئاً فقط من أصل ألفين هو العدد الذي كان الاتحاد الأوروبي قد حدده كحصة لتلك الدولة في إطار خطة أوسع صدرت عام 2015، وتتعلق بحصة كل دولة من دول الاتحاد في استقبال اللاجئين الذين وصلوا لكل من إيطاليا واليونان.

ليس هذا فقط، فأزمة الائتلاف الحاكم في دولة التشيك تمثل تحدياً كبيراً للاتحاد الأوروبي؛ فالبرلمان كان قد صوت بسحب الثقة من الحكومة في يناير. ومن وقتها يسعى رئيس الوزراء أندريه بيباس لتشكيل ائتلاف حاكم جديد، ففشلت مفاوضاته مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي. لكن رئيس الدولة دعاه أخيراً إلى لتفاوض مع حزبين صغيرين يمثل دخولهما الائتلاف تحدياً للاتحاد الأوروبي.

فأحدهما، الحزب الشيوعي، يدعو للانسحاب من حلف ناتو، والثاني، يميني متطرف، يدعو للخروج من الاتحاد الأوروبي عبر استفتاء شعبي على غرار البريكست.

والخطاب السياسي التشيكي لا يختلف كثيراً عنه في المجر. فالأسبوع الماضي، أعاد الناخبون هناك رئيس الوزراء فيكتور أوربان وحزبه لرئاسة الوزراء بأغلبية كبيرة، وإن قامت مظاهرات أخيراً ضد النتيجة. وأوربان مناهض للهجرة ويرفض هو الآخر خطة المحاصصة التي أعدها الاتحاد الأوروبي.

وقدم أثناء حملته الانتخابية تعريفاً محدداً لبلاده باعتبارها «دولة مسيحية وذات ثقافة مسيحية ولا تريد مهاجرين». ويبدو أن تلك الرسالة تلقى ترحيباً كبيراً في دول عدة من التشيك وسلوفاكيا إلى بولندا والمجر. وهو أمر يستحق التأمل من أكثر من زاوية؛ فعدد المهاجرين للمجر، مثلاً، لا يكاد يذكر من ناحية محدوديته، ومع ذلك فإن صياغة حملة انتخابية تقوم في جوهرها على معاداة الهجرة والمهاجرين كانت سبباً في فوز ساحق لحزب أوربان.

ودولة التشيك تمثل دحضاً للفرضية القائلة إن الأزمات الاقتصادية هي التي وراء مناهضة الهجرة، ذلك أنها تتمتع بأقل معدل بطالة بالاتحاد الأوروبي. ومن هنا، يبدو أن معاداة الهجرة في تلك الدول أسبابها ثقافية، بمعنى الميل لرفض التعددية بكل صورها، التي يجسد المهاجرون أحد أوجهها، فضلاً عن أن القرارات بشأنهم تأتي من بروكسل لا من عواصم بلادهم.

وتعتبر التشيك والمجر وسلوفاكيا أنها خسرت حليفاً قوياً في الاتحاد الأوروبي بخروج بريطانيا عقب البريكست؛ فبريطانيا المناهض القوي ضد رغبة كل من ألمانيا وفرنسا في الدفع نحو اتحاد أوروبي أكثر عمقاً. لذلك كله، كانت حملة فيكتور أوربان في المجر ثم فوزه، رسالة واضحة تلقتها فرنسا وألمانيا بقدر غير خاف من القلق.

لكن رسالة فوز أوربان لاقت ترحيباً كبيراً لدى كل قوى اليمين المتطرف في أوروبا من جيرت وايلدرز بهولندا، لماري لوبان بفرنسا، فضلاً عن حزب البديل الألماني. لكن ذلك الترحيب لم يكن بقوة الاحتفاء الذي لقيه فوز أوربان ببولندا. فمنذ أن وصل حزب العدل والقانون اليميني للحكم في 2015، صارت بولندا أقرب للمجر من أية دولة أخرى فيما يتعلق بمناهضة قرارات الاتحاد الأوروبي بخصوص الهجرة.

غير أن المسألة لا تتوقف فقط على دول شرق أوروبا، وإنما تطال دولاً كالنرويج؛ فقد استقالت، نهاية الشهر الماضي، وزيرة العدل وعضو حزب التقدم، الشعبوي المناهض للهجرة، بعد أن اتهمت حزب العمال بأنه «يقدم حقوق الإرهابيين على حماية الأمن القومي».

وهو الاتهام الذي نكأ جراحاً لدى الأحزاب النرويجية وخصوصاً حزب العمال الذي كان ضحية لإرهاب اليمين المتطرف عندما قتل 69 من شبابه في معسكر شبابي للحزب حين فتح النار عليهم رجل من اليمين المتطرف بعد دعاية مماثلة في 2011. وقد اضطرت الوزيرة للاستقالة بعد أن هددت خمسة أحزاب بسحب الثقة من الحكومة، التي يرأسها حزب التقدم، في البرلمان.

ورغم أن النرويج ذاتها ليست عضواً بالاتحاد الأوروبي، فإن التطورات المتصاعدة في مجمل القارة تمثل تحديات ضخمة للاتحاد الأوروبي أخطر ما فيها أنها تحديات تتعلق بوجوده ذاته ومستقبله.

 

Email