قمــة الأمـل

ت + ت - الحجم الطبيعي

من يقرأ الجغرافيا الجديدة يستطع كتابة تاريخ المستقبل..

على طاولة التفاوض يكسب الأقوياء..

ومنذ انعقاد أول قمة عربية في مصر عام 1946 بأنشاص، أيام حكم الملك فاروق الأول، وتوالت القمم.

اختلفت كل قمة وتباينت توصياتها وظروف انعقادها، لكن هذه المرة جاءت قمة الظهران بالمملكة العربية السعودية، وسط أجواء سياسية خاصة على الصعيدين العربي والدولي.

على الصعيد العربي، فنحن أمام إجراءات إصلاحية واسعة تعيشها الدولة المضيفة للقمة، المملكة العربية السعودية التي تشكل ركناً أساسياً وركيزة استراتيجية في منظومة العمل العربي المشترك

هذا فضلاً عن الملفات التي كانت تحتاج إلى مثل هذا التوقيت لفتحها، ووضع حد فاصل لها، في مقدمتها القضية الفلسطينية، وقرار ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، ومن ثم اعتبارها عاصمة لإسرائيل، وهو الأمر الذي ينال اهتمام القمة، بل إنه القاسم المشترك على طاولة الملوك والرؤساء.

من بين القضايا الشائكة التي تضمنتها بنود القمة، حسم التدخلات الإيرانية والتركية في الشؤون الداخلية للعرب، ووضع أطر وقواعد لوقف مثل هذه التصرفات التي من شأنها صناعة حالة من التأزيم والقلاقل في الخريطة العربية، كما أن بحث ملف بناء الدولة الوطنية وتعافيها من أعراض الأحداث التي شهدتها من جراء ما يسمى بالربيع العربي، واحد من الملفات التي ينتظر الشارع العربي حسمها، وفقاً لما أسفرت عنه هذه القمة، وليبيا في مقدمة هذه الملفات، وكذلك اليمن الذي صار نقطة انطلاق لصواريخ الحوثيين والداعمين له مثل إيران وميليشيا حزب الله.

كذلك الأمر يظل ملف الإرهاب قضية جوهرية على جدول أعمال قمة الظهران وغيرها من القمم التالية.

أما على الصعيد الدولي فليس خافياً على أحد أن هناك معارك وصراعات على العرب وهم ليسوا طرفاً فيها. إذاً هنا يكمن الخطر عندما لا نكون طرفاً في صراع يتعلق بمستقبل وجودنا، فعلى سبيل المثال فإن صراع النفوذ وفرض الإرادة بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا لم يكن خافياً على أحد، الحسابات تزداد تعقيداً، لكن هذا النوع من المناورات للدول الكبرى لا يمكن التعامل أو التفاوض معه إلا بتصدير إحساس الاستقلالية والقدرة على فرض اللاءات الواضحة والقاطعة في بعض القضايا التي لا تحتمل الدبلوماسية الرمادية.

إذاً، ما بين التحديات العربية والإقليمية والدولية علينا تفعيل ما تنتهي إليه قمة الظهران، بما يضمن الوصول إلى صيغة حقيقية لتفعيل قيمة العمل العربي المشترك، والإيمان بأن الخروج عن النص العربي ليس في مصلحة أحد، وأن بنود القمة الثمانية عشر التي تهدف إلى لم الشمل العربي يجب تفعيلها على أرض الواقع، حتى لا يصبح الجسد العربي عرضة لإطلاق الرصاص، ومد النفوذ ورسم خرائط جديدة بحدود إيرانية، أو بأوهام «عثمانلية»، علينا نحن العرب استثمار هذه القمة في التصدي بفاعلية للتحديات والتهديدات الراهنة، والخروج بالجامعة العربية إلى مساحة جديدة في المشهد العربي، تؤكد مضاعفة جهودها في الانخراط بشكل أكبر وأوسع في الأزمات العربية.

كما يجب أن تقوم وفود عربية بعد هذه القمة بجولات للعواصم التي تهدد المصالح العربية، للتأكيد على قواعد ومبادئ عامة تتعلق باحترام حقوق الإنسان، ومبدأ حسن الجوار، واحترام السيادة الإقليمية للدول، كما أن هذه الجولات لا بد أن تشمل الأطراف الدولية المتشابكة مع الأوضاع في المنطقة، مثل روسيا وأميركا والصين.

أما النقطة التي لا تحتمل القسمة على وجهات النظر، فهي العمل بكل قوة على الحفاظ على الأمن القومي العربي الذي يشكل ركيزة أساسية للوجود، بعد أن صار تهديده هدفاً استراتيجياً لقوى إقليمية ودولية تحاول أن تجعل من المنطقة ظهيراً لنفوذها وبسط إرادتها. إذاً يحدونا الأمل أن تصبح القمة العربية قمة الأمل في تحقيق رسوخ عربي شامل يكون رادعاً لمن يحاول الاقتراب من هذه الأمة.

 

 

Email