القمة العربية.. بين الوعي بالخطر والمواجهة المطلوبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما دعت مصر في منتصف الستينيات إلى القمة العربية (التي أصبحت دورية)، كانت قضية فلسطين هي القضية المركزية، وكان هم القمة الأساسي هو حشد الجهد العربي لمنع إسرائيل من تحويل مجرى نهر الأردن وسرقة مياهه.

ورغم الظروف الصعبة، فقد أثبتت القمة يومها أن الدول العربية الكبرى قادرة على تجاوز خلافاتها لمواجهة الخطر، ولعل هذا ما ساعد على الوقفة الاستثنائية العربية في مواجهة نكسة 1967 حتى كان النصر في حرب أكتوبر، الذي اتسعت معه الأحلام العربية التي اصطدمت بعد ذلك بمؤامرات الخارج وبأخطاء وخطايا الأطراف العربية المختلفة، حتى وصلت إلى مرحلة كاد فيها كل شيء يضيع من أيدينا لولا يقظة تعيد الآن بعض الروح وتحيي بعض الأمل. حتى ولو كانت التحديات هائلة، والأخطار عدة والأزمات غير مسبوقة.

تنعقد القمة العربية التاسعة والعشرون في ظرف تحولت فيه سوريا المنكوبة إلى بؤرة اشتعال تجتمع فيها الفتائل اللازمة لإشعال حرب عالمية جديدة بين روسيا والغرب بكل ما يحمله ذلك من مخاطر للمنطقة والعالم.

وتنعقد القمة والعالم العربي يواجه هجمة شرسة من القوى الإقليمية غير العربية وعلى رأسها إيران التي لا تتوقف عن تهديد الأمن العربي، ومحاولة مد النفوذ وتكوين الميليشيات العميلة لإثارة الفتنة الطائفية، في وطن عربي عاش دائماً على التسامح وعلى المساواة بين مواطنيه جميعاً، وبينما تزهو إيران بأن أعلامها ترتفع في أربع عواصم عربية وتتطلع إلى أن يمتد نفوذها من الخليج العربي إلى البحر المتوسط مخترقة الأرض العربية وناشرة للتطرف والإرهاب.

دنجد على الطرف الآخر تحركاً تركياً يبسط السيطرة على أجزاء من سوريا ويهدد بالتوسع داخل حدود سوريا إلى العراق، وفي الوقت نفسه تحظى أنقرة ببعض الأطراف العربية التي تتيح لها أن تبني على الأرض العربية قواعد عسكرية أو نقاط ارتكاز لنفوذه لتهديد الأمن العربي ولدعم ميليشيات الإرهاب الإخواني، والجري وراء أوهام بعث الخلافة العثمانية البائدة.

ولا تتأخر إسرائيل عن استغلال كل ذلك، تتوسع في الاستيطان وترفض كل محاولات السلام، ثم يأتي قرار الرئيس الأميركي ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لها ونقل سفارته إليها، ليفجر الأوضاع في الأرض المحتلة، وليقطع الطريق على أي جهود لسلام حقيقي، وليحول أميركا من راعٍ للتفاوض من أجل التسوية العادلة إلى شريك في محاولة إسرائيل فرض الأمر الواقع وتصفية القضية الفلسطينية.

يجري كل ذلك بينما كتب على الأمة العربية أن تواجه، مع كل هذه التحديات، الخطر الأكبر وهو الإرهاب الإخواني، وما تفرع عنه من جماعات اختلفت أسماؤها وتنوعت راياتها، لكنها تخرج كلها من هذا المستنقع الإخواني الذي أنبت كل دعوات الكراهية والعنف والتعصب وتكفير الآخرين.

تحالفت كل هذه المخاطر، لتشق صفوف الأمة وتستنزف قواها وتغرق بلداناً عربية في جحيم الحروب الأهلية والمذهبية، وتسقط الدولة لتقيم حكم الميليشيات، ومع ذلك فإن هناك ما يبعث على الأمل في أن تتجاوز الأمة محنتها، وأن تهزم كل مخططات أعداء الداخل والخارج مهما بدت الأوضاع صعبة والتحديات هائلة.

** هناك، أولاً، هذا الوعي بحجم الأزمة وبكل المخاطر التي تحيط بنا. هناك إدراك للعوامل التي أدت إلى تدمير العراق واستباحة سوريا، وتحويل ليبيا إلى مقر للميليشيات، ومحاولة جعل اليمن خنجراً في يد إيران وعملائها، تهدد به كل دول الخليج العربي وتسيطر من خلاله على باب المندب.

** وهناك، ثانياً، إدراك بأن إرهاب الإخوان وباقي جماعات الإرهاب التي تضع الأقنعة الدينية هي الخطر الأكبر الذي يعمل منذ نشأته على استنزاف قوى الأمة العربية.

** وهناك، ثالثاً، هذا الوعي بأن الاعتماد على القوى الخارجية لن يحقق أمناً ولن يضمن استقراراً. وأنه لا بديل عن بناء القوة الذاتية، والحفاظ على الدولة الوطنية، وبناء الجسور لتعاون عربي مشترك يتصدى للمخاطر، ويحاول أن ينهي سنوات الغياب العربي التي طالت وأنتجت كل هذا الدمار.

ويبقى السؤال: هل تجد هذه الحقائق الأساسية الفرصة لكي تتم ترجمتها إلى برنامج عمل عربي تلتزم به كل الدول العربية من خلال هذه القمة أو غيرها؟!

ربما ما زال الطريق طويلاً أمام ذلك، وربما يكون هناك من يعتبر انعقاد القمة بمستوى تمثيل مرتفع إنجازاً في حد ذاته (وهو كذلك بالعقل) وربما يكون هناك من يرى أن التوافق على مواقف أساسية في القضايا المصيرية خطوة ضرورية في هذا التوقيت (وهو كذلك بالفعل) وربما يكون تواري الخلافات بين الأعضاء حتى وإن ظلت الحلول غائبة، شيئاً إيجابياً (وقد يكون كذلك).. وربما يكون كل ذلك هو أقصى ما يمكن انتظاره، لكن ما يمر به الوطن العربي يجعل من القمة مناسبة لطرح السؤال الأهم:

إذا كانت حدود ما يقدمه النظام العربي (ممثلاً بالجامعة العربية) لم تعد تلبي متطلبات مواجهة التحديات الكبيرة التي نواجهها، فهل آن الأوان لإصلاح نظام الجامعة وتفعيل دورها؟ أم أن علينا أن نبني بجوارها نقطة ارتكاز (وقد يكون تجمع الدول العربية الأربع المكافحة للإرهاب أساسها) تمضي بصورة أسرع، نحو تعزيز التعاون وبناء التكامل المطلوب لجهد عربي لا بد منه، لمواجهة تحديات الحاضر ومتطلبات المستقبل.

مع كل الأمنيات بقمة عربية تتجاوز بنتائجها وقراراتها كل التوقعات.

* كاتب مصري

Email