رسالة إلى قمة الدمام العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

هرمنا ونحن في انتظار الذي يأتي ولا يأتي. ومع عقد كل قمة عربية جديدة تتصاعد الطموحات وتكثر الآمال لدى المواطنين العرب من المحيط إلى الخليج ومن المشرق إلى المغرب، أن قادتهم من الملوك والأمراء والرؤساء والحكام، سوف يضعون في اجتماعهم الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة العربية، التي باتت مسرحاً لأطماع ومؤامرات وحروب أريد لها أن تبدأ ولا تنتهي، على رأس أولوياتهم، وهو ما يتطلب منهم السعي الجاد للم الشمل العربي على كلمة سواء، وبناء موقف موحد يصد عن بلادهم تلك المخاطر.

ويأتي انعقاد القمة العربية التاسعة والعشرين في مدينة الدمام السعودية يوم الأحد المقبل والظروف التي تحتم وحدة الموقف العربي لم تكن في أي يوم من الأيام حاضرة، كما هي حاضرة اليوم.

فإسرائيل تحتفل بعد أيام من انتهاء القمة بسبعين عاما على تأسيسها واستيلائها على الأراضي الفلسطينية، وجيشها يتصدى بالرصاص الحي وبالأسلحة الممنوعة دولياً لمظاهرات العودة السلمية للشعب الفلسطيني ويقتل أطفالاً ونساء وشباباً عزل لا يحملون سوى أحلام بالعودة للأرض التي سلبتها منهم دولة عنصرية استعمارية، يتغنى الغرب بديمقراطيتها الزائفة، والأمم المتحدة تعجز بحكم الفيتو الأميركي عن استصدار قرار من مجلس الأمن يدين إسرائيل، ووزراء قتلة ومجرمين في حكومة نتنياهو الإرهابية يعلنون بصلف وتحد ووقاحة رفض استقبال لجنة دولية اقترحها الأمين العام للأمم المتحدة لبحث التجاوزات الإسرائيلية، والعالم يغمض العين ويصم الأذن على مطلب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس بحماية دولية للشعب الفلسطيني في مواجهة الجرائم الإسرائيلية، والسفير الأميركي في إسرائيل يهدد «أبو مازن» بالعودة إلى مائدة التفاوض مع إسرائيل دون قيد أو شرط.

وإلا فهناك من سيقبل بذلك غيره، والرئيس الأميركي وهب القدس عاصمة موحدة لإسرائيل وأخرجها من سياق التفاوض النهائي، الذي لم نعد ندري على أي شيء سوف يقوم هذا التفاوض والاستيطان الإسرائيلي يلتهم كل يوم الأراضي الفلسطينية، ونتنياهو يرفض حل الدولتين.

كما أنه أخرج الولايات المتحدة الراعي الرسمي والوحيد لما يسمى بعملية السلام من القيام مرة أخرى منفردة بهذا الدور، الذي سبق أن تم منحه 99% من أوراق اللعب في المنطقة، وانتهى بأن أصبح بعض العرب في حالة سلام مع إسرائيل دون أدنى مقابل.!

ولا تحدث مثل تلك التجاوزات والإهانات والاستخفاف بالحقوق والوعود والالتزامات التي لا علاقة لها بالأعراف والقوانين الدولية، سوى في منطقتنا.

أمام قمة الدمام في المملكة العربية السعودية فرصة لتغيير تلك المعادلة، وتعديل سمة القمم العربية من اجتماعات احتفالية، تصدر قرارات لا يلتزم بها أحد، إلى إعادة رسم موقف عربي موحد لقضية التسوية السلمية مع إسرائيل، انطلاقاً من إدراك حقيقي، أنه لا إمكانية لتحقيق أي استقرار دائم في المنطقة دون التوصل لحل عادل للقضية الفلسطينية.

ولأننا لن نخترع العجلة، ففي سجل القمم العربية السابقة، مبادرة السلام العربية التي خرجت بها القمة العربية في بيروت طبقاً لاقتراح سعودي قدمه المغفور له الملك عبدالله حين كان ولياً للعهد عام 2002.

وتكتسب مبادرة السلام العربية أهميتها من أنها تنطوي على أحد البنود التي تدعو إلى تدويل قضية التسوية، وإدخال الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والاتحاد الروسي والدول الإسلامية والاتحاد الأوروبي، طرفاً في تنفيذها.

وتوسيع نطاق الأطراف الدولية التي يمكن أن ترعى مفاوضات التسوية، غدا أمراً ممكناً، بعد تراجع الدور الأميركي، ونزوعه إلى الانسحاب نحو مشاكله الداخلية، وتزايد الدور الروسي، والإقليمي في قضايا المنطقة.

وتدعو المبادرة إلى اعتراف الدول العربية بإسرائيل مقابل الانسحاب الكامل من كل الأراضي العربية المحتلة، وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود يونيو عام1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والتوصل لحل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين طبقاً لقرارات الشرعية الدولية، والقرار 194.

ولا شك أن تمسك قمة الدمام بتدويل القضية الفلسطينية، وإبعاد الولايات المتحدة عن أن تكون الطرف الدولي الوحيد الذي يرعى مفاوضات التسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل، وإعادة إحياء مبادرة السلام العربية، وإلزام الدول العربية بوقف التطبيع المجاني مع إسرائيل، سوف يقوي موقف العرب التفاوضي، ويبعث الأمل في نفوس العرب المجروحة من فرط التمادي في الاعتداء على حقوقهم، إن القمم العربية لم تعد ساحة احتفالية لإلقاء الخطب الحماسية، ثم ينفض الاحتفال لنعود إلى ما كنا فيه!

فهل تستجيب قمة الدمام لذلك؟‍!

 

 

Email