الإعلام أمانة ومسؤولية

ت + ت - الحجم الطبيعي

الإعلام من أهم أدوات العصر المؤثرة، وهو منبر مفتوح على الجميع، ويلعب دوراً استراتيجياً في المجتمعات، وله دوره المهم في مواجهة التحديات، والإسهام في مسيرة التنمية والازدهار، ووضع البصمات الإيجابية في مختلف مجالات الحياة.

والإعلام أمانة، وله أهداف نبيلة ينطلق منها، فهو ليس أداة لمجرد الإثارة، بل منارة للوعي والتثقيف والإنارة، ينشر الثقافة الإيجابية الوسطية، التي تسهم في رقي الفرد والمجتمع والوطن، ويتصدى بإيجابية وفاعلية للثقافات السلبية، وخاصة ما يمس منها السلم المجتمعي.

فالإعلام صمام أمان ضد التطرف والإرهاب والجرائم والخطابات الفوضوية والتحريضية والطائفية والشائعات والأكاذيب والخطابات الإعلامية المناوئة وسائر المهددات الأخرى، فالإعلام شريك رئيسي في حفظ الاستقرار وتعزيز الأمن الوطني وترسيخ الثقافة الإيجابية المعتدلة.

أحد الجوانب المهمة في الإعلام تكمن في علاقته بالمجتمع، والتي ينبغي أن تقوم على التفاعل والتكامل الإيجابي البنَّاء، فالإعلام الهادف يمد جسور التواصل المتينة مع المجتمع، ويعزز إيجابياته، ويبحث عن الحلول المناسبة لمشكلاته وقضاياه، ويطرحها بصورة متزنة حكيمة، مستفيداً من المتخصصين في كل مجال، ويمدُّ المجتمع بما ينميِّه ويفيده، بخلاف الإعلام السلبي، الذي يشغل المجتمع بما لا يفيد، أو يولِّد فيه مشكلات جديدة، أو يخلق معارك مع المجتمع ضد أخلاقياته وثوابته.

ولا شك بأن أحد التحديات الكبرى التي تواجه الإعلام اليوم في مختلف المجتمعات هو وجود منصات الإعلام الكثيرة التي تنافسه بقوة في ذات المضمار، وتسعى لاستقطاب الجماهير وجذبهم والتأثير فيهم، فالعالم اليوم يعيش عصر الفضاء المفتوح، التي تتسابق فيه منصات الإعلام لتعزيز مكانتها الجماهيرية والتسويق لبضاعتها الإعلامية، مما يحتم على أي إعلام وطني خوض هذا التنافس بجدارة، والتسلح برؤى وآليات احترافية تمكنه من تعزيز مكانته في المجتمع، والوصول إلى قلوب الناس، ليكون منصتهم الإعلامية الأولى.

ومما يُنتظر من الإعلام الوطني في عصر العولمة والانفتاح وتلاقح الثقافات وتواصل الحضارات والشعوب وعصر القرية المفتوحة تعزيز الذاتية الثقافية المميزة للمجتمع، بقيمها وموروثاتها وعاداتها وتقاليدها وهويتها الوطنية، والإرث الثقافي اليوم إحدى أدوات القوى الناعمة للدول، ولنا في دولة الإمارات إرث عظيم يفتخر به كل إماراتي ويتمسك به.

وهو إرث زايد الخير، الذي أسس دولة الإمارات على قيم مثلى، ومبادئ عظمى، وغرس ذلك في المجتمع، حتى أصبح الجميع متكاتفين متلاحمين، تجمعهم هوية واحدة، وانتماء واحد، وأخلاقيات مُثلى، فلا يزور أحد دولة الإمارات إلا ويجد من أبنائها أجمل تعامل وتسامح، وقد اعتبر الشيخ زايد رحمه الله الهوية الإماراتية أعظم إنجاز للاتحاد.

وأكد ذلك في مناسبات عدة، لما تمثله هذه الهوية من ترسيخ لقيم الولاء والانتماء وبناء الشخصية الإماراتية المتميزة، قال الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله: «إننا نؤمن بأن إنجازنا الأهم يتمثل في إرساء مفهوم الهوية والانتماء بين أبناء الشعب الواحد، بهدف تحقيق رسالة سامية، ألا وهي الذود عن حياض الوطن ومكتسباته وبناء إمارات المستقبل».

ومن واجبات الإعلام كذلك ترسيخ مكانة الدولة، وإبراز منجزاتها الوطنية، وقيمها الحضارية، ومسيرتها التنموية المشرقة، ومواكبة تطلعاتها، وطموحاتها المستقبلية، ليكون أداة حيوية فاعلة من أدوات قواها الناعمة، فصوت الإعلام اليوم عابر للحدود والقارات.

وإن الإعلام مسؤولية، فهو مسؤول عما يطرح، وذلك ينسجم تماما مع جوهر حرية الرأي والتعبير، فالحرية والمسؤولية توأمان متلازمان، قال الشيخ زايد رحمه الله: «القانون والمثل العليا والذوق السليـم هي سيـاج حديقة الحرية»، ومتى تجرد الإعلام عن المثل والمبادئ واكتفى بشعار الحرية المطلقة دون حد ولا ضابط فإنه يصبح سلاحاً هداماً.

ولا أدل على ذلك من استغلال داعش للحرية المفرطة التي أتاحتها كبريات شركات الإعلام الإلكتروني لغزو العالم وتهديده، ولولا رضوخ هذه الشركات لصوت العقل ولو بنسبة معينة لكانت النتائج كارثية، مما يدلُّ دلالة مؤكدة على أن حرية الإعلام إذا لم تُضبط بمعايير فإنها تصبح مرتعاً خصباً لمختلف التيارات المغرضة لاختراق الإعلام وتسخيره لخدمة أجنداتها.

والمسؤولية الملقاة اليوم على عاتق الإعلامي كبيرة، فهو على ثغر عظيم، سواء كان إعلاميا في الإذاعة أو التلفاز أو أي منبر آخر، فعليه أن يراقب الله فيما ينطق ويكتب، وأن يتحلى بروح المسؤولية أمام الله وأمام المجتمع، وعليه أن يعلم أن الإعلام نافذة مفتوحة على الجميع، القريب والبعيد، والصغير والكبير، والجاهل والمتعلم، والمحب والمتربص.

وأن المتابعين متفاوتون في مستوياتهم، مختلفون في أغراضهم، مما يحتم عليه مراعاة فقه الخطاب الصحيح، والاتزان في الطرح، وحسن انتقاء وتوظيف الكلمة، حتى لا تُفسر على غير مراده، ولا يستغله المتربصون لتحقيق مآربهم، وكما يتأكد من صحة ما ينشر فعليه أن يتأكد من جدواه وأثره.

وألا يخرج عن حد الاعتدال في كل ذلك، لا إلى إفراط ولا إلى تفريط، ومن صفات الإعلامي المتفاني نكران الذات، فهو من أبعد الناس عن الجرأة وطلب الشهرة وتعمُّد المخالفة، بعيدا عن قاعدة: «خالف تُعرف»، فلا همَّ له إلا رفعة وطنه، ونهوض مجتمعه، ورسالته في ذلك رسالة علم وحكمة وأخلاق وسعة صدر وبعد نظر.

نعم! إن الإعلام أمانة ومسؤولية، وهو وسيلة لخير الدول والشعوب، وتقع على عاتقه مهام كبيرة، قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «رسالتنا لوسائل الإعلام هي تسخير كل الجهود لخدمة الوطن والمواطن أينما كان، ودعم المسيرة التنموية، والالتزام بمبادئ ومواثيق المهنة».

 

 

Email