انتخابات مصر واستكمال مسار 30 يونيو

ت + ت - الحجم الطبيعي

الانتخابات الرئاسية التي جرت في مصر أيام 26، 27، 28 مارس 2018، ليست سوى مرحلة في مسار 30 يونيو والثورة الشعبية التي ساندتها القوات المسلحة لإسقاط حكم الظلامية والطائفية لجماعات الإسلام السياسي وعلى رأسهم «جماعة الإخوان»، تلك الجماعات التي لا تنتعش إلا في الظلام والتآمر والتخريب والعودة إلى ما قبل الدولة الحديثة، إلى عهد الولايات والطوائف والاقتتال الطائفي والأهلي وفرض الوصاية على البلاد والعباد باسم احتكار الإسلام والتحدث باسمه دونا عن كافة المسلمين.

مسار 30 يونيو لم يكن ممهداً أو مفروشاً بالورود بل كان مساراً معقداً، وحافلاً بالتحديات الداخلية والإقليمية والدولية، فداخلياً حفل المشهد بالعنف والإرهاب الذي كان يهدد وحدة المصريين ونمط حياتهم ومعتقداتهم طيلة مئات السنين، وإقليمياً تشكلت خلال السنوات التي أعقبت ثورة 25 يناير عام 2011، تحالفات إقليمية بامتداد العالم العربي بين القوى التي تتستر بالإسلام وبين تلك القوى الإقليمية الطامحة، لبعث الخلافة الإسلامية وزعامة العالم الإسلامي، واستند ذلك التحالف المستمر حتى اللحظة الراهنة إلى الكثير من الأدوات المالية والاقتصادية والاستخباراتية، أما على الصعيد الدولي فكان ثمة من المؤشرات والدلائل على تفاهمات مضمرة وظاهرة بين قوى الإسلام السياسي والعديد من الدوائر الغربية السياسية والاستراتيجية، تلك الدوائر التي ترى في هذه القوى وبالذات جماعة «الإخوان» القدرة على إدارة شؤون الدول في الشرق الأوسط، وحفظ مصالح هذه الدوائر، لأنها في وجهة النظر هذه قوى معتدلة وبمقدورها قيادة الاعتدال وخلق نموذج إسلامي بعيداً عن التطرف والإرهاب!

من هذا المنظور فإن مسار 30 يونيو لم يكن مجرد ضربة مفاجئة، وينتهي الأمر، بل كان مساراً مثل حلقات متماسكة يشد بعضها بعضاً، على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، خلع الإخوان من الحكم مثل بداية الطريق، ومواجهة الإرهاب وإعادة بناء مؤسسات الدولة عمليات وإن كان بعضها يوشك على الانتهاء إلا أن الكثير منها يبقى قائماً وبحاجة إلى مواجهات مستمرة، وكذلك الأمر على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، حيث تطلب الأمر الكثير من التضحيات التي قبلها المصريون عن طيب خاطر رغم آثارها السلبية عليهم مؤملين أن تكون هذه الآثار مرحلة مؤقتة، تعقبها مرحلة أخرى تستهدف التخفيف من هذه الآثار، وتنصف الطبقات الشعبية والكادحة التي تمثل أغلبية الشعب المصري.

في هذا السياق فإن الانتخابات الرئاسية وإقبال المصريين عليها، يمكن اعتبارها مرحلة في استكمال مسار 30 يونيو، مرحلة يصر المواطنون فيها ويعلنون تمسكهم بأهداف 30 يونيو وأولها الدولة المدنية الحديثة والديمقراطية ورفض الدولة المذهبية والطائفية والإصرار على وحدة الأمة المصرية التي شكلت فجر ضمير البشرية، وقدمت للعالم أول دولة مركزية منذ القدم، وثاني هذه الأهداف بناء اقتصاد متطور وتحقيق توزيع عادل للناتج القومي والدخل القومي، وكفالة حقوق التعليم البناء والواعي والخدمة الصحية اللائقة بالإنسان المصري، في العقود الأولى من الألفية الثالثة.

وثالث هذه الأهداف تأكيد حقوق المواطنة والمساواة ليس فحسب في الدستور والقوانين وإنما كذلك في مجريات الحياة الاقتصادية والاجتماعية ووقائعها وضمان تكافؤ الفرص للمواطنين، بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية ومواطنهم الجغرافية والثقافية.

مشاركة المصريين في الانتخابات الرئاسية تبعث بالكثير من الرسائل للخارج، أي لتلك الدوائر الدولية والغربية والإقليمية السياسية والإعلامية، هذه الدوائر التي لم تتورع حتى الآن عن إطلاق ألفاظ ومسميات على الإرهابيين تخفي حقيقة إرهابهم وارتكابهم للجرائم بحق المواطنين والشرطة والقوات المسلحة «مثل مسمى المتمردون» تارة و«المناضلون» تارة أخرى، وهى مسميات تضفي على الإرهاب والإرهابيين قداسة، وتمنحهم رسالة وهم براء من القداسة والرسالة على حد سواء، فرسالتهم هي إرهاب الدولة والمواطنين، والحؤول دونهم ودون تقرير مصيرهم، ومصادرة حريتهم، في اختيار الطريق الذي يرونه ومتناسباً مع ثقافتهم وعقائدهم، هذه الرسالة تقول نحن ماضون في الطريق الذي اخترناه لبلادنا، وراضون عما تم إنجازه على الصعيد الوطني، مواجهة الإرهاب وبناء الدولة وتحقيق الأمن والاستقرار وتنفيذ المشروعات القومية والنهوض بالبني التحتية والاقتصاد بامتداد الوطن، ويطمحون إلى أن يمتد التغيير ليشمل تحقيق نهضة علمية في البحث العلمي والتكنولوجي حتى يمكن لمصر تدارك ما فاتها.

حكمة المصريين وخبرتهم المختزنة عبر التاريخ هي المرشد والدليل لكافة المواطنين للتمسك باختيارهم ودعمه بكل السبل، والدفاع عنه ضد كل التحديات الداخلية والخارجية.

* كاتب ومحلل سياسي

Email