لاودر ونتانياهو.. جدل الحركة والدولة

ت + ت - الحجم الطبيعي

رون لاودر رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، غاضب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، لأنه «منصاع وحكومته للأحزاب الدينية المتشددة، ويسمح لهم بفرض وإملاء سياسات تخص الدين والدولة، مثل استيطان الأراضي التي يفترض أن تكون جزءاً من دولة فلسطين، وهذا يؤسس واقعاً لا رجعة عنه لدولة واحدة». يعتقد لاودر أن أغلبية يهود العالم، ليسوا من اليمين المتطرف، وأن عدداً متزايداً من شبانهم، خاصة في الولايات المتحدة، يتجهون للذوبان والاغتراب عن إسرائيل والابتعاد عنها، لاستشعارهم أنها توغل في الإكراه الديني، بما سيحولها من دولة ليبرالية حديثة إلى دولة شبه دينية..

المؤتمر اليهودي عبارة عن اتحاد كبير، يضم أكثر من سبعين منظمة مؤيدة للصهيونية، منتشرة في نحو سبعين دولة. وهو بإيجاز، بمثابة ذراع دبلوماسية ومتحدث مسموع الكلمة باسم يهود العالم. وهذا يعني أن لاودر متنفذ يهودي وصهيوني ثقيل الوزن والمكانة، ولا ينطق جدلاً كطائر منفرد لا قيمة لتغريداته، وأنه صاحب آراء يتعين الاعتداد بها في الحسابات الفكرية والسياسية للمشروع الصهيوني وكيانه السياسي إسرائيل، ومنها علاوة على ما ذكرنا آنفاً، أن «هناك ثلاثة عشر مليون نسمة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، نصفهم تقريباً من الفلسطينيين، وحل الدولتين هو الخيار الأمثل للخروج من الخطر الوجودي، الذي ستواجهه إسرائيل أن استمر الوضع الحالي».

المفارقة هنا، أن هذه المداخلة جاءت عقب أيام معدودات من مؤتمر الايباك في الولايات المتحدة، الذي لم تتطرق مناقشاته أو بياناته إلى هذا الخيار. وهذا أمر محير ومثير للبلبلة. فتقديرات لاودر لم تهبط عليه جراء صحوة عقلية مفاجئة، وإنما اختمرت عبر فترة زمنية تسبق بكثير اجتماع الايباك السنوي الأخير، لدرجة أن معارضيها يهمسون بأن لاودر هو رجل الرئيس الفلسطيني محمود عباس في واشنطن، بالنظر إلى علاقته برجل الأعمال الفلسطيني عدنان مجلي، صاحب المجموعة الاقتصادية الشهيرة التي تحمل اسمه في الولايات المتحدة.

الأسئلة هنا: لماذا لم تجد أفكار لاودر أي أصداء في هذا الاجتماع ؟، ما الذي أعمى أعين الايباكيين وأطفأ عقولهم، عن الرؤى والحلول التي يقدمها زعيم واحدة من أقوى المنظمات المساهمة في قيام إسرائيل وتمويلها مالياً ودعمها سياسياً منذ عام 1936؟. بل، وكيف قبل لاودر بالاستخفاف برؤيته وتسفيهها وإلقائها ظهرياً، عند أقوى جماعة ضغط يهودية وصهيونية تعشش بالولايات المتحدة، على مقربة من معقل المؤسسة اليهودية الأكبر عالمياً، التي يرأسها منذ عشرة أعوام؟.

خرج نتانياهو من مؤتمر الايباك بمظهر الظافر، الذي أجمع المؤتمرون على حذقه وصحة توجهاته، وتبنوا مقولاته وحذلقاته، على الرغم من سطحيتها ومضامينها الدعائية، ومحاولتها المكشوفة لرمي الكرات في ساحات الآخرين. وليس بلا مغزى على ابتلاع هذا الاستحماق والتبجح، أن المؤتمرين لم يتدبروا في مدى صدقية رئيس الحكومة الإسرائيلية، وهو يتحدث عن رغبته في السلام والتسوية مع الفلسطينيين، بدون أن يعرض الحل الذي يحقق بنظره هذا الهدف. لقد صفقوا له وقوفاً لأكثر من مرة، متجاوزين عن غوغائيته وسهولة استكناه حرصه على إفشال حل الدولتين، وخلو منطقه من أي حل بديل آخر.

وفي هذا السياق العاطفي التعبوي شبه الشعبوي، لا ندري ما الذي قيد ألسنة لاودر وأنصاره وبطانته اليهودية الأميركية بين يدي المؤتمر، عن التصدي لأحاجي نتانياهو وطروحاته السائلة الضبابية، التي تذكرنا بالعبارة الممجوجة «كل الخيارات مفتوحة»؟. ترى، هل يجوز الاعتقاد بأن لاودر مجرد مغامر يحلق بأفكاره، مشتبكاً مع نتانياهو وقوى التطرف الحريدي واليميني الديني عموماً في إسرائيل، وحده بلا أنصار؟!. هذا افتراض غير منطقي، لا سيما أن الخلاف والتلاسن بين مسؤولين إسرائيليين وبين رموز يهودية ذات شأن في عوالم الآخرين، حول من له الريادة والأولوية في صناعة القرار الصهيوني، حقيقة قائمة منذ قيام إسرائيل، وهذا على الأرجح هو بيت القصيد.

نود القول بأن المجادلة بين مدرستي لاودر ونتانياهو، تمثل استمراراً للاشتباك الذي وقع، بين ناحوم غولدمان رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، وبين بن غوريون أول رئيس لوزراء إسرائيل، حول الأمر ذاته. وقتذاك، انتصرت وجهة نظر بن غوريون، القائلة بأن اليد العليا هي له وللدولة. ويبدو أن هذه الوجهة ما زالت فاعلة حتى الساعة، وأن لاودر سوف يخسر في هذه الجولة، مثلما خسر غولدمان من قبل.

* كاتب وأكاديمي فلسطيني

Email