وطن متميز ونساء متميزات

ت + ت - الحجم الطبيعي

«المرأة التي تهزّ المهد بيمينها.. تهزّ العالم بيسارها».. تذكرت مقولة نابليون وأنا أرى امرأة مسنة تمسك بيدي حفيديها لتوصلهما إلى باص المدرسة، وقد رأيتها عدّة مرات في صباحات مختلفة، لأنّ توقيت مروري يصادف مرور باص المدرسة من أمام بيتها.. فكّرت بأنّ هذه المرأة التي ربّت ابنها أو ابنتها حتى كبرا وبات لديهما أطفال، لم تكتفِ بدورها كأمّ، ولم تثنِها سنوات عمرها الطويلة عن تقديم المزيد من العطاء، فبقيت متمسّكة بدورها لتنقل حنانها وعطفها وعطاءها إلى أحفادها..

إنها (المرأة) وكفى بهذه الكلمة لتحمل كلّ معاني العطاء.. فهي ليست نصف المجتمع كما نسمع، وإنّما هي المجتمع بأكمله، لأنّها تصنع النصف الآخر وتربيه وتحميه، في دور مكمّل لدور الرجل لكن بشكلٍ أكثرَ أهميةً وأشدَّ صعوبةً وأعظمَ أداءً..

امتلكت المرأة عبر التاريخ زمام البناء الاجتماعي بكلّ مفاصله، حتّى أُطلِق على العديد من المجتمعات - اسم (مجتمع أمومي) لكون المرأة هي المسيطرة على كلّ شيء وهي المتحكّمة بذلك المجتمع، حيث تتولى المسائل التربوية والاقتصادية والأعمال التي تعتاش منها الأسرة حتى بعض المجتمعات الإفريقية ما زالت تخضع للقوانين الأمومية حتى اليوم.

لكنّ المفارقة التي أودّ الإشارة إليها؛ أنّ مجتمعنا العربي -المشهورَ بكونه مجتمعاً ذكورياً بامتياز، والمعروف بأن الرجل فيه هو المسيطر وهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة- هو في الواقع (مجتمع أمومي) في حقيقته، حتى وإن تناقض ذلك مع ظاهر الأمور، لأنّ المرأة في مجتمعنا -أغلب الأحيان- هي من تتولّى تربية الأبناء، وهي المسؤولة عن الاقتصاد المنزلي وتنظيم أمور الأسرة المالية، حتّى وإن لم تكن هي من تعيل الأسرة، والمرأة العربية تشغل النسبة الأكبر بين المعلمين وخاصة في المراحل الدراسية الأولى من الروضة وحتّى المرحلة الإعدادية، الأمر الذي يجعلها مسؤولة عن تشكيل فكر ومعارف جيل كامل؛ سيكون لاحقاً عماد الوطن ودعامته المتينة.

بالطبع إنّ هذا الدور الحيوي للمرأة تقوم بتأديته يداً بيد إلى جانب الرجل، فهي شريكته في الحياة، وهي كما قال عنها شكسبير: «نجم يستنير به الرجل، ومن غيرها يبيت الرجل في الظلام».. لذلك فقد اعتمدت أغلب المجتمعات على قدرات المرأة في تعميرها وتطويرها، ومجتمعنا العربي ليس مختلفاً عن تلك المجتمعات، وبشكل أكثر تخصيصاً يأتي المجتمع الإماراتي في مقدّمة المجتمعات التي اعتمدت على المرأة في البناء والتعمير والتطوير، لأنّ هذا المجتمع الذي بدأ حياته الاقتصادية كمجتمع يعتمد على صيد اللؤلؤ، وجد نفسه أمام واقع يفرض غياب الرجل لشهور طويلة في البحر؛ لكي يؤمّن قوت أسرته، وهذا ما وضع المرأة في موقع المسؤولية الكاملة عن تربية الأبناء وتعليمهم والعناية بهم، في ظلّ غياب شبه كامل للرجل، فكانت النتيجة أن ربّت المرأة الإماراتية جيلاً عظيماً من الأبناء الذين انطلقوا إلى الحياة بثقة وقوّة عزيمة، واستطاعوا أن يسهموا في بناء الوطن وتطويره والنهوض به.

يقول الروائي الفرنسي أناتول فرانس: «المرأة هي أكبر مربية للرجل، فهي تعلّمه الفضائل الجميلة، وأدب السلوك، ورقّة الشعور».. وهو بالفعل أمر نلمسه في مجتمعنا، فقلّما نجد رجلاً ناجحاً ينكر فضل أمّه أو أخته أو زوجته في نجاحه، بل على العكس من ذلك، نجد كثيراً من عظماء هذا الوطن ينسبون نجاحهم إلى ما تلقّوه من تربية فاضلة أو دعم أسري قدّمته الأم أو الزوجة أو الأخوات..

وأخيراً علينا أن نتذكر أن التوصية بالمرأة كانت من أهم الوصايا الأخيرة لنبينا الكريم محمد عليه صلوات الله وسلامه، حيث قال لمن كان معه من الصحابة: «أوصيكم بالنساء خيراً».

*المنسق العام لبرنامج دبي للأداء الحكومي المتميز

Email