مؤتمر اللوبي الإسرائيلي «إيباك»

ت + ت - الحجم الطبيعي

عقد مؤتمر اللوبي الإسرائيلي المعروف اختصاراً بـ«إيباك» مؤتمره السنوي للسياسات في واشنطن في 4-6 مارس الجاري. ويعتبر الاجتماع السنوي لإيباك أكبر تظاهرة لأنصار إسرائيل. ويحرص المنظمون على عقده سنوياً في العاصمة الأميركية واشنطن، مركز صنع القرار، حيث البيت الأبيض أو الكونغرس أو الوزارات المختلفة والتي تؤثر على سياسات أميركا تجاه إسرائيل.

ويعقد المؤتمر هذه السنة في ظل تقارب متميز بين الرئيس دونالد ترامب وإسرائيل عقب اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل. ويتباهى المنظمون أن حوالي 18,000 شخص حضروا التظاهرة السياسية. وأن ثلثي أعضاء الكونغرس كانوا بين الحاضرين إضافة إلى وفود من كل الولايات الأميركية ووفود من المحافل اليهودية. ويبالغ أحدهم بأن المؤتمر السنوي لإيباك هو المقابل اليهودي لحفلة الأوسكار!

ويتسابق الساسة إلى إلقاء كلمات تؤكد على متانة العلاقات الأميركية-الإسرائيلية وعلى أهميتها الاستراتيجية وعلى القيم المشتركة بين البلدين. وليس هناك أبلغ على ذلك من سفيرة الولايات المتحدة نيكي هيلي في انبجاس عواطفها الجياشة تجاه إسرائيل حتى إنه يخيل إليك أنها سفيرة إسرائيل لا سفيرة أميركا.

وقد افتتحت السفيرة، والتي لا تخلو من طموح سياسي كبير، خطابها بدعابة أنها حين تأتي إلى اجتماع إيباك فإنما تحضر بين الأصدقاء بعكس وجودها في الأمم المتحدة والتي ليس لها كثير من الأصدقاء. والعجب العجاب أن كاتبة مقالة إسرائيلية تندرت بخطاب السفيرة في صحيفة «هآرتس».

وتذكر الكاتبة الإسرائيلية كيف أن السفيرة استقبلت كنجمة وليس متحدثة سياسية، وكيف أنها أثارت بكلامها عواطف الحضور. وخاصة هجومها على الأمم المتحدة لانتقادها المستمر لإسرائيل بدلاً من التركيز على القضايا المهمة مثل محاربة داعش. وفي خلال الكلمة التي استمرت عشرين دقيقة، حظيت بعشر تصفيقات حارة وقف فيها الحضور من مقاعدهم للحفاوة بها.

ولكن لماذا يبدي الساسة الأميركيون كل هذه الاهتمام، إذا لم نقل التزلف؟ لعلك تجد الجواب في تقرير كتب على صفحة في موقع المؤتمر يقول «إن إيباك هو الحامي اليقظ لعلاقات الولايات المتحدة وإسرائيل، وإن مؤتمره السنوي للسياسات في واشنطن هو محطة ضرورية لكل سياسي مهتم بالسياسة الخارجية ومرشحي الرئاسة».

ويعود تاريخ إيباك إلى خمسينيات القرن المنصرم. ويقول المؤرخ دوق روسنوا إن أصول إيباك التاريخية تعود إلى ماض سوداوي يتعلق بمأساة فلسطينية في قرية قبية. ففي مارس 1954 تأسست اللجنة الأميركية الصهيونية للشؤون العامة للترويج للقضية والذود عن مصالح إسرائيل في الولايات المتحدة.

أهمية المنظمة تعود إلى مجزرة قبية والتي قام بها رئيس الوزراء السابق آرييل شارون عندما كان ضابطاً في الجيش الإسرائيلي. فقد قامت وحدة من القوات الإسرائيلية في 15 أكتوبر 1953 بعملية لاحتلال القرية عبر خط الهدنة، أي في الضفة الغربية، وقتلت أكثر من ستين من المدنيين الفلسطينيين انتقاماً لعملية قتل ليهودية واثنين من أطفالها في إسرائيل قبل ثلاثة أيام.

وقد أصبحت سياسة الانتقام من المدنيين الفلسطينيين السياسة المعتمدة من قبل رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون والتي كانت دائماً غير متكافئة مع العملية التي يقوم بها الفلسطينيون وكانت دائماً تستهدف المدنيين.

وقد بدأت التحقيقات الصحفية تنبئ عن حجم الجريمة التي قامت بها الوحدة العسكرية الإسرائيلية ضد المدنيين في قبية. وشهدت الساحات الإعلامية في الولايات المتحدة استنكاراً للعملية الإسرائيلية. وعندها أدرك أنصار إسرائيل أن سمعة الدولة اليهودية أصبحت في الحضيض ويجب أن تتشكل منظمة تنبري للدفاع عن إسرائيل وسمعتها داخل الولايات المتحدة، خاصة أن وزير الخارجية حينها جون فوستر دالاس أعلن عن إيقاف المساعدات لإسرائيل.

ومنذ ذلك التاريخ أصبحت منظمة إيباك المدافع الأول عن إسرائيل وأقوى جماعات الضغط في العاصمة الأميركية. ويسعى الساسة إلى إرضاء رغبات هذه المنظمة في دعم والتصويت للتشريعات التي تمد إسرائيل بالمساعدات السخية، حتى غدت إسرائيل أكبر مستفيد من الإعانات الأميركية.

ويخشى كثير من الساسة خاصة أعضاء الكونغرس من إغضاب المنظمة والتي تستهدف كل من يوجه النقد مهما كان صغيراً، كما فعلت مع النائب بول فندلي والسناتور شارلس بيرسي اللذين انتقدا إسرائيل وكان مصيرهما أن خسرا الانتخابات.

ويرى عالما السياسة المرموقان ستيف والت وجون ميرشماير أن العلاقات الأميركية-الإسرائيلية يتحكم فيها اللوبي الإسرائيلي، والذي يتشكل من عدة منظمات ذات علاقة فضفاضة وعلى رأسها منظمة إيباك.

ويقول الكاتبان إن اللوبي الإسرائيلي يوجه السياسة الخارجية للولايات المتحدة بما يخدم المصالح الإسرائيلية وخلافاً للمصالح القومية لأميركا. وليس هناك مثال في التاريخ لدولة تقدم مصالح دولة أجنبية على مصالحها الوطنية. ولا يفسر هذه الحالة الشاذة إلا لتواجد لوبي قوي مساند لإسرائيل يؤثر على قرارات السياسة الخارجية الأميركية.

وقد سال كثير من الحبر لشجب الكاتبين ونُعتا بأنهما معاديين للسامية. وحسب ما ذكر الكاتبان فإنهما لم يستطيعا نشر مقالتهما في الولايات المتحدة بسبب الجو المشحون المساند والحذر من ردة فعل اللوبي الإسرائيلي. وبعد أن فشلا في نشره في الولايات المتحدة نشرت المقالة في مجلة في لندن وهي «لندن ريفيو أوف بوكس». والمفارقة أن محاربة اللوبي للمقالة وللأستاذين أثبتت مصداقية فحوى المقال!

* كاتب وأكاديمي

Email