أُم الشهيد في حضن البطل

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن الطفلان «حبيبة وعمر» من أبناء الشهداء يعرفان ماذا تحمل لهما الأقدار؟ لكنهما يعرفان جيداً أنهما دفعا ثمن حرمانهما من الأبوة، دفاعاً عن تراب هذا الوطن.

الطفلان كانا يرتديان الزي العسكري، حبهما لأبيهما دفعهما لإحساس سابق لعمرهما، وهو أن الوطن يستحق، وأن البطولة في نظرهما هي الوظيفة التي يحلمان بها في شبابهما، هكذا.. اعترفت براءة الطفلين عندما سألهما الرئيس عبد الفتاح السيسي في الاحتفال بيوم الشهيد، يوم الخميس الماضي.

حلم حبيبة وعمر بأن يصبحا بطلين ليستكملا مشوار أبيهما، هو أيضاً حلم آلاف من أبناء الشهداء الذين حُرِموا من آبائهم من أجل أن يعيش الآخرون. نعم كان الرئيس محقاً عندما قال: «إن هؤلاء الأطفال لهم دين في رقابنا جميعاً».

نعم، فبطولات وأمجاد الشهداء لا تُنسَى، ولا يمكن أن يغفلها التاريخ، هؤلاء اصطفاهم المولى عز وجل، لكي يكونوا نبراساً يضيء الطريق للأجيال القادمة، ونموذجاً يؤكد أن الشهداء الحق هم مَن يدافعون عن الأوطان، ويقدمون أرواحهم من أجل أن ينعم ويعيش غيرهم في أمن واستقرار.

المشهد كان مؤلماً، لكنه يدعو للفخر والعزة والكرامة، أبناء وأسر الشهداء؛ كلٌّ له قصة وحكاية تختلف تفاصيلها، لكن يجمعها عنوان «البطولة والوطنية والتضحية».

لم يستطع جميع الحضور في الاحتفال حبس الدموع أو السيطرة عليها، ربما حاول البعض أن ينتصر ويتماسك، لكن هزم الجميع مشهد للبطل وهو في حضن أم الشهيد، وسقطت الدموع عندما أنهى القائد البطل بشمال سيناء كلمته، وهو يروي ببسالة وعظمة وقوة قصة استشهاد زميله؛ الضابط الشهيد شريف عمر، ثم انطلق بسرعة البرق وسط القاعة، ليرتمي في حضن أم الشهيد شريف عمر، ليستمر التصفيق وسط دموع الفخر والوطنية لعشر دقائق متواصلة، هزّت أرجاء القاعة، إنها لحظة تحدٍّ للتحدي، وتكريس للبطولة، ورسالة تؤكد عقيدة راسخة داخل القوات المسلحة المصرية، يتوارثها الأجيال وهي؛ «إما النصر بشرف وإما الاستشهاد ببطولة».

نعم المهمة صعبة، لكن لا بد منها؛ محاربة الإرهاب ومجابهة المؤامرات، والتصدي للمحاولات الخارجية، صارت خياراً وحيداً من أجل بقاء الأمة العربية بأكملها، وليس مصر فقط. فما يحدث في ربوع المحروسة، خصوصاً في شمال سيناء، إنما هو عمود الخيمة للاستقرار، فالحرب الدائرة هناك مستمرة على أعلى مستوى.

ومعدلات تحقيق الأهداف تزداد، ومؤشرات التطهير في ارتفاع، الرجال البواسل من قواتنا المسلحة والشرطة يعلنونها صراحةً: لن يعودوا دون حق الشهداء، لن يسترح لهم بال إلا بالثأر لزملائهم وأشقائهم.

ولن تغفل أعينهم إلا بعد أن ينتهوا من مهمة القضاء على الإرهاب، وتطهير أرض الفيروز، نعم، هؤلاء الأبطال يدركون أن الحرب في سيناء هي حرب ضد الإرهاب، نيابةً عن المنطقة بأكملها، وأن سقوط مصر هو سقوط مباشر للأمة، وبالتالي، فإن التهديد يتعلق بالوجود في المنطقة العربية بأكملها، وأن محاولات التنظيمات الإرهابية لا تزال مستمرة، وأن حلمها في تنفيذ أجندة التمزيق والتقسيم لا يزال قائماً ومطروحاً لديهم بقوة، وبدوافع مختلفة ودعم واضح وقوي من دويلات تغرد داخل السرب العربي، وأجهزة استخبارات عالمية هدفها الصعود علي أنقاض المنطقة، وتحركات واضحة لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، التي تبذل مجهودات قوية لإعادة ترتيب صفوف العنف، فضلاً عن توظيف كل وسائلهم الإعلامية لخدمة أهدافهم بمساعدة التنظيم الدولي الذي يستمر في عقد اجتماعاته، والتي كان آخرها في لندن الأسبوع الماضي، وتناولوا فيه كيفية تأزيم المشهد في مصر أثناء الانتخابات الرئاسية.

إذاً الحرب مستمرة وبالتالي، فإنه إذا كانت مصر والدول العربية تفتقد كل طلعة شمس شهداء من أبنائها، فعلينا إدراك أن المشوار طويل، وأن بناء الدولة الوطنية، يحتاج إلي ثمنٍ غالٍ، وأن التكاتف العربي نقطة ارتكاز لا بديل عنها.

* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي

Email