مهام عربية عاجلة.. في عالم مضطرب!!

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعيداً عن التفاصيل الصغيرة، يبدو الوضع العالمي في منتهى الخطورة. تعقيدات الانتقال من عالم أحادي القيادة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، إلى عالم متعدد الأقطاب تفرض نفسها على الجميع، ورغم كل التنبؤات بانتقال مركز الصراع العالمي إلى الشرق الأقصى، تظل المنطقة العربية في القلب من معارك تقرير مستقبل العالم، وتظل مسرحاً لمعظم الحروب التي يشهدها العالم، وتزداد مخاطر تمديد صراعات القوى الإقليمية إلى حيث تلوح أشباح المواجهة بين القوى الكبرى.. كما يحدث في سوريا المنكوبة على سبيل المثال.

وتزداد المخاطر إذا وضعنا في الاعتبار السرعة التي يتصاعد معها التوتر وتتغير الأوضاع، قبل عام وبعض العام، ومع تولي ترامب حكم أميركا كان الحديث عن مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية يحمل معه ـ رغم أي عوامل أخرى ـ تكهنات عن علاقات أفضل بين موسكو وواشنطن، وعن توافقات بين بوتين وترامب. وكان البعض في أوروبا يدعو لإعادة ترتيب الأوراق داخل القارة العجوز لكي تتواءم مع التوافقات المقبلة. وكانت الصين تراقب الموقف خشية أن يكون ذلك كله إعداداً لجبهة تقف في وجه تطلعاتها، وتحاول أن تبدي المرونة الكافية كي يكون التعاون بديلاً لأي مواجهات محتملة.

بعد عام واحد كان المشهد يتغير، عاد شبح الحرب الباردة في عالم لديه من التحديات ما يكفي، روسيا تهدد بأنها تملك أسلحة نووية حديثة لا يمكن مقاومتها، بينما أميركا تعلن برنامجاً لتطوير أسلحتها النووية بتكلفة تريليون و200 مليون دولار وتضاعف من ميزانيتها العسكرية، وأوروبا تخشى من المخاطر ومن التقلبات السياسية، فتعلن أنها ستطور سياساتها الدفاعية دون الاعتماد على أميركا.

وتزداد المخاطر حين تترافق التوترات العسكرية، مع شبح حرب تجارية عالمية بعد أن رفع ترامب شعار أميركا أولاً، وبعد أن بدأ سياسة حمائية استهلها بفرض رسوم على واردات أميركا من الصلب والألمنيوم، لتعلن أوروبا أنها سترد بالمثل، بينما الصين تعيد النظر في سياساتها بصورة شاملة لمواجهة التطورات المقبلة لا محالة.

ولا يحدث ذلك لأسباب تتعلق بشخصيات القادة هنا أو هناك وإنما يتم من خلال صعود قوى اليمين في العالم كله، وعودة النزعات القومية المتشددة التي ترى أن تحرير التجارة أضر بمصالحها، والتي تؤمن أن النظام العالمي بوضعه الحالي لا يمكن أن يستمر، وأن البديل مازال ينتظر نتائج صراع لابد لكل طرف من القوى الكبرى أن يستخدم فيه كل أسلحته، لكي يحدد موقعه في خريطة المستقبل.

أين نحن في العالم العربي من كل ذلك؟

سؤال تريد قوى عديدة ألا نطرحه على أنفسنا، وألا ننشغل بالبحث عن إجابة له، وتفعل المستحيل لكي تشغلنا المعارك المستمرة والحروب الداخلية والمؤامرات الخارجية والتدخلات الإقليمية، فلا يسعفنا الجهد ولا الوقت لكي نفعل ما ينبغي فعله، حتى لا نجد أنفسنا ـ كما حدث مراراً قبل ذلك ـ ندفع الثمن ونسدد فواتير صراعات الغير على أرضنا وثرواتنا ومستقبلنا!!

في عالم تتهدده الصراعات والحروب الكبرى لم يعد ممكناً أن تستمر كيانات صغيرة في محاولاتها لضرب وحدة لابد منها لحماية الوطن العربي من المخاطر، ولم يعد ممكناً أن تعمل هذه الكيانات بالوكالة عن قوى إقليمية تريد مد نفوذها في أوطاننا، وضرب وحدة مواطنينا ونشر الفتن الطائفية والمذهبية في بلاد عاشت على الإخاء الذي لا يفرق بين مواطن وآخر.

وفي عالم تتهدده الصراعات والحروب الكبرى، أصبح ضرورياً حسم الموقف من جماعات الإرهاب ومن كل من يدعمونها ومحاصرة مكامن الخطر في سوريا واليمن وليبيا وغيرها من الأقطار التي عبثت التدخلات الخارجية بأمنها واستقرارها، مستغلة جماعات الإرهاب الخائن ودعوات الطائفية المفروضة.

لابد أن تفهم القوى الإقليمية التي تهدد أمن الخليج والوطن العربي أن وقت مراجعة سياساتها العدوانية قد أزف، وأن محاولات مد نفوذها لابد أن تتوقف. ولابد أن يفهم من راهنوا من الحكام الصغار على دعم القوى الخارجية أو الجماعات الإرهابية لهم، أن رهانهم كان خاسراً، وأنه لا بديل أمامهم سوى التخلي عن دعم جماعات الإرهاب والخضوع لسطوة الإخوان.

ولعل ما فعلته دول الرباعية العربية يقدم نقطة ارتكاز لموقف عربي مطلوب بشدة لمواجهة الظروف شديدة التعقيد في عالم تتصاعد فيه لغة الحرب وتضطرب فيه الرؤية الواضحة لما هو قادم، لقد كان إسقاط الحكم الإخواني الفاشي في مصر لحظة فارقة في الصراع حول المستقبل العربي، وسيظل إنقاذ اليمن من خطر الوقوع في قبضة ميليشيات طهران مهمة تتجاوز أمن الخليج العربي، إلى التصدي لأوهام رفع الأعلام الإيرانية على عواصم عربية، ويظل استعادة الدولة في ليبيا من قبضة عصابة الإرهاب المدعومة من قطر وتركيا وكل أعداء العرب مهمة لابد من حسمها بسرعة، ويظل إنهاء المأساة في سوريا في سباق مع مخاطر احتدام الصراع في ظل الوجود العسكري لكل من روسيا وأميركا.

التأكيد على وحدة قرار دول الرباعية العربية ومضاعفة أواصر التعاون المشترك بينها هو قضية أساسية إلى أبعد حد في ظل غياب نظام أمني عربي، ومع تزايد المخاطر في عالم مضطرب يريد البعض فيه أن يتم استنزافنا في الحروب الأهلية وتآمر الصغار وإرهاب الإخوان والدواعش، حتى نظل في قوائم الضحايا والغائبين عند تقرير المصير.

* كاتب مصري

Email