نتانياهو وسياسة الفساد

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل أسابيع قليلة، انطلقت تظاهرة صاخبة في ساحة روتشيلد بتل أبيب احتجاجاً على خطوات التحقيق البطيئة بشأن فساد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، والتي أدت لاحقاً إلى تقديم الشرطة توصية بتوجيه الاتهام إلى نتانياهو بالرشوة وخيانة الثقة.

وفي شرفة إحدى الشقق المطلة على الساحة جر أحد القاطنين تلفزيونه، ووصله بكمبيوتره المحمول فظهر على الشاشة نتانياهو وهو يعلق على محاكمة رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت ويصر على وجوب تقديمه للمحاكمة وطرده من رئاسة الوزراء بتهمة الفساد، وهو ما تم فعلاً.

وهذا يظهر مدى نفاق نتانياهو، حتى بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده عقب الاتهام بالفساد وإصراره على أنه سيبقى رئيساً للوزراء.

وسواء وجد نتانياهو مذنبا أم لا، فإن الرائحة القوية للفساد ليست ناجمة عن أنه ربما استفاد من محاولات التأثير على وسائل الإعلام، أو عن الهدايا الثمينة التي تلقتها زوجته من المجوهرات والسيجار وزجاجات الشمبانيا وغيرها من الأثرياء. فالرائحة الحقيقية للفساد ناجمة عن الكيفية التي أفسد فيها ما يوصف بالديمقراطية التي كانت تتباهى بها إسرائيل، وذلك من خلال سياسة المجون التي كان يتبعها.

وقد وصف «ألوف بين» رئيس تحرير صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية هذه السياسة بأنها تمثل أقصى أنواع الفساد، خاصة أن نتانياهو يزعم أن حياته العامة بأكملها كرسها لصالح إسرائيل وأمنها وازدهارها. ولكنه عندما انتقل من مرحلة التباهي بنفسه إلى التفاصيل، فإن العكس هو الصحيح: فهو يؤمن بأن القوة السياسية هدفها أن تخدم من يجيرها لصالحه، وليس لخدمة الجمهور.

والضرر الحقيقي الذي سببه نتانياهو ليس من خلال الانطباع واسع النطاق بأنه يكرس وقته الطويل في المكتب لصالح الجمهور، ولكن في الطريقة التي هاجم فيها هو والمقربون منه مؤسسات بارزة اعتبر أنها تتحدى سلطاته.

كما اعتبر رئيس الوزراء أن المنظمات غير الحكومية، الإعلام، المتبرعين الأجانب أمثال جورج سوروس، وحتى الدول الأوروبية، والآن الشرطة الإسرائيلية، بأنهم أعداء يتآمرون لإسقاطه من سدة الحكم.

وقد حوّل نتانياهو الوقاحة والخداع إلى فن، ولم يستوعب مطلقاً رغبة قطاعات واسعة من الناخبين النافرين وغير المبالين به أن يؤمنوا بأسطورة المؤسسات التي تطعن من الخلف.

ويكمن جوهر هذا الأسلوب السياسي غير الحكيم والفارغ من المضمون إلى حد بعيد في رفض القواعد غير المكتوبة المتعلقة بالصلاحية السياسية.

وإذا كانت الرؤية الحالية لسياسة المجون التي يتبعها نتانياهو قد تمت ملاحظتها في السنوات الأخيرة، فإن نتيجتها الطبيعية في أفول تأثير المجون بحد ذاته كسلاح سياسي قوي وفعال، وهو سلاح يرجع زمنه إلى سقراط وأفلاطون.

وفيما لا يوجد شيء جديد بشأن السياسيين الذين يسعون وراء مصالحهم الذاتية وحب الذات، فإن الذي تغير هو أن بعض هؤلاء السياسيين أصبحوا السمة البارزة في عصرنا الحاضر.

يقول الصحافي جيفري فرانك من صحيفة «نيويوركر»: هناك تاريخ حافل من السياسيين الذين يضعون مصلحتهم الشخصية في المقدمة، ولكن عادة ما يتم إرفاق ذلك بشيء يصب في صالح ناخبيهم، علاوة على قدرتهم على تحمل الاتهامات الموجهة إليهم، كما هو حال دونالد ترامب، الذي يعتبر بمثابة مذيع تلفزيون الواقع للرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، وهو رجل يرى نفسه بأنه عصي على العار، أو التعاطف مع الغير، وأنه يستطيع النجاة من موجات الاتهامات التي تطاله.

وضبط أي شخص في خضم أكثر الممارسات الفاضحة والأكاذيب لا يعتبر عائقاً في مواصلته العمل في مكتب سياسي رفيع، برغم اعتقاد بعضهم أن العكس هو الصحيح. غير أن نتانياهو تبنى سياسة أن كل شيء يمكن إنكاره طالما اعتبره مؤامرة من قبل طبقة اجتماعية عميقة من الليبراليين والأعداء.

* كاتب في الغارديان

Email