صعوبات أمام المشروع الأوروبي المشترك

ت + ت - الحجم الطبيعي

بالكاد مرّت 12 ساعة على تنفس الصعداء قبل أن تحتدم الأجواء مجدداً وتستلزم أخذ نفس عميق جماعي آخر، وبالكاد مرّ يوم واحد على تحوّل ابتسامات الرضا إلى وجوم ينضح بالقلق الأوروبي.

وقد أعلن الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني اليساري الوسطي، مؤخراً من برلين وبنسبة 72 بالمئة، أي ما يعادل أكثر من اثنين من ثلاثة الأعضاء قد صوتوا تأييداً لخطوة الائتلاف الكبير مع كل من الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني الوسطي وشقيقه حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي بولاية بافاريا.

ووضع القرار حداً نهائياً لخمسة أشهر من المخاوف السياسية في برلين. وأفسح الطريق أمام المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل لتشكيل حكومتها الرابعة والتقدم على عدد من الجبهات بما فيها المخططات الطموحة للاتحاد الأوروبي وإصلاحات منطقة اليورو المدفوعة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المؤيد لوحدة أوروبا.

وأعقب ترحيب ماكرون بالخطوة الألمانية وتأكيده على «تعاون كل من ألمانيا وفرنسا في المساعي الجديدة الآيلة لتعزيز المشروع الأوروبي»، إشارات من روما ناجمة عن استطلاعات الخروج المبكرة لإيطاليا تلوح بأنه لا تكاد إحدى الدول الأعضاء البارزة في الاتحاد الأوروبي، وإحدى مناطق اليورو الهامة تخرج من أزمة جمود سياسي، حتى تشرف أخرى على دخولها.

ويثير واقع بروز حزب حركة خمس نجوم في مصاف أكبر الأحزاب الإيطالية إضافةً إلى حزب لا ليغا المناوئ للهجرة مقابل ضعف ظهور حزب فورزا إيطاليا بزعامة رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلوسكوني والحزب الديمقراطي بقيادة رئيس الحكومة الحالي ماتيو رينزي، الكثير من التساؤلات حيال قدرة إيطاليا على المضي في تنفيذ الإصلاحات الداخلية، ورغبتها في لعب أي دور يذكر في التكامل الأوثق مع الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو.

أعرب الناخب الإيطالي الغاضب عن رفضه لمسار التحديث الاقتصادي والامتثال الواسع منطقة اليورو، المتبع من الحكومات الإيطالية المتعاقبة منذ حلول الأزمة الاقتصادية والمالية في البلاد، وآثر انتخاب أحزاب ذات وعود انتخابية سخية في مشهد قد يضع البلاد على خط التصادم مع قيود الموازنة الأوروبية.

ويطرح الوضع الراهن مشكلة لماكرون كذلك المتحمس لاستغلال فرصة الإصلاح التي قدمتها إعادة انتخاب ميركل، والمضي في أفكاره المتمحورة حول تحقيق نوع من التكامل والدعم المتبادل بين أعضاء منطقة اليورو مقابل إدارة اقتصادية أكثر تشدداً.

قد تختار كل من فرنسا وألمانيا الدفع قدماً بعيداً عن دعم إيطاليا أو قد تتخذان قرار استحالة المواصلة. ويقول تشارلز غرانت، المؤسس المشارك لمركز الإصلاح الأوروبي في هذا الإطار: «يفرض بروز إيطاليا المتشكك أوروبياً، وغير المستقر وضع كوابح للمخططات الألمانية الفرنسية».

وينتاب الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني اليساري الوسطي بعد أن مُني بالهزيمة الأسوأ له منذ عام 1949، وخسر أكثر من نصف ناخبيه في فترة 15 عاماً، بالأسى العميق والحيرة حيال دعم ائتلاف كبير آخر. ويشعر عدد من الأعضاء بأنهم جازفوا في إمكانية تقوية حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي تحول اليوم إلى أحد أكبر أحزاب المعارضة في ألمانيا.

في النهاية، أسفرت الخشية من الإصابة بهزيمة أسوأ في حال إجراء انتخابات مبكرة عن ولادة غالبية قوية أسست لائتلاف جديد. إلا أن عدداً من أعضاء حزب ميركل لديه تحفظات كذلك، ويساوره القلق من أن تؤدي التنازلات التي اضطرت ميركل لتقديمها من أن تضعف سلطتها وتهمّش ناخبي اليمين الوسطي.

مع تراجع الوسط وتشرذم المشهد السياسي على امتداد خارطة الاتحاد الأوروبي، تظهر آلام مخاض ولادة الائتلاف الألماني الجديد وفوضوية الانتخابات الإيطالية أنها ما لم تتمكن الأحزاب الرئيسية من استعادة ثقة ناخبيها بالاستجابة لمخاوفهم الجوهرية، كالهجرة والهوية وعدم المساواة الاقتصادية، والبطالة، والنخبوية، فإن المشروع الأوروبي المشترك سيكون محفوفاً بصعاب متصاعدة الوتيرة.

 كاتب في الغارديان

Email