السعودية في يومين

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن التغيرات الاجتماعية التي بدأها الملك عبد الله ويستكملها الآن الملك سلمان وولي عهده قد لمستها خلال زيارة مؤخراً للمملكة استمرت يومين.

تجلت وتكاملت الصورة المنشودة للمملكة في المستقبل في جامعة الملك عبد الله بن عبد العزيز للعلوم والتقنية، والتي تعد الأولى من نوعها في العالم التي تجمع في جنباتها الكثير من مظاهر الحداثة وصورة المجتمع السعودي الذي يسعى ولي العهد محمد بن سلمان إلى تحقيقه في المملكة خلال الفترة المقبلة.

تركز الجامعة على الميادين العلمية البحتة في ظل جو اجتماعي ملائم يشجع على البحث والتعايش والتسامح. تهدف الجامعة إلى أن تكون بيت العلم والمعرفة على غرار بيت الحكمة أيام أمجاد الخلافة الإسلامية، حيث كان العالم الإسلامي هو مصدر المعرفة والتقدم في ذلك العصر.

كان الملك عبد الله بعيد النظر عندما فكر في هذا المشروع العظيم الذي يعود على الإنسانية بالخير. إن العلم هو مفتاح تقدم الأمم. حدث ذلك عندما كانت الخلافة الإسلامية مصدراً للعلم والمعرفة من خلال علمائها مثل ابن سينا والخوارزمي والجزري وغيرهم.

وتسعى الجامعة من خلال استلهام تلك النماذج المضيئة الموجودة في متحف الجامعة وتطلق على بعض المباني العلمية فيها إلى محاولة استعادة العالم الإسلامي بعضاً من هذا التاريخ المشرف بصورة تعبر عن التطورات المعاصرة التي أصبح فيها العالم قرية صغيرة تتجسد في الحرم الجامعي لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية.

تهدف الجامعة إلى نشر المعرفة العلمية واستقطاب أفضل العلماء والباحثين على مستوى العالم لمواجهة أبرز المعضلات العلمية، والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية داخل المملكة. أي أن للجامعة دورين عالمياً ومحلياً.

تضم الجامعة التي فتحت أبوابها عام 2010 آلاف الطلبة والطالبات من القارات الخمس من أكثر من 100 دولة. يعيش داخل الحرم الجامعي قرابة سبعة آلاف شخص يمثلون صورة عصرية للمجتمعات. تقدم الجامعة منحاً دراسية كاملة لطلابها من أجل المساهمة في التقدم العلمي.

على المستوى المحلي تشجع الجامعة المواهب السعودية. ففي أبريل 2017 استضافت الجامعة أكثر من 140 أكاديمياً وإدارياً وخبيراً ومختصاً وطلبة مؤهلين من مختلف الجامعات السعودية في إطار برنامج دعم المواهب الأكاديمية الوطنية.

ويهدف البرنامج إلى إعداد جيل المستقبل من القادة للمؤسسات الأكاديمية والجامعات ومراكز الأبحاث في المملكة. كما شهد عام 2017 انضمام ما يزيد على 100 طالب وطالبة إلى برنامج الجامعة للطلبة الموهوبين، ليصل عدد طلاب البرنامج إلى قرابة 500 طالب وطالبة، وتقوم الجامعة بإرسالهم إلى الولايات المتحدة الأميركية لإتمام دراساتهم لمرحلة البكالوريوس في جامعات رائدة كجامعة كاليفورنيا في بيركلي ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

يضاف إلى ذلك الدور المجتمعي للجامعة داخل المملكة. على سبيل المثال قام قسم المسؤولية الاجتماعية في الجامعة في سبتمبر الماضي بالحملة السنوية السادسة للاحتفال بالعام الدراسي الجديد والعودة للمدرسة في بلدتي ثول والقضيمة المجاورتين للجامعة، حيث دعمت الجامعة من خلال المتطوعين ما يزيد على 700 تلميذ وتلميذة من الصفوف الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس هاتين البلدتين. كما قامت الجامعة بتقديم المواد الغذائية والمستلزمات الأساسية للأسر المحتاجة في بلدة ثول.

إن الحياة داخل الحرم الجامعي بين الجنسيات المختلفة يخلق نوعاً من التعايش والتسامح بين الأديان المختلفة والجنسيات المختلفة والألوان المتعددة. فهناك احتفال في مارس من كل عام يطلق عليه «موكب الأمم» حيث يجول سكان الحرم الجامعي من الجنسيات المختلفة يحملون أعلام بلادهم. يضاف إلى ذلك مهرجان كاوست للأطعمة العالمية.

تجذب الجامعة طلبة وطالبات من دول العالم المختلفة، وبعد تخرجهم يعودون إلى أوطانهم للمساهمة في استخدام العلم لخدمة مجتمعاتهم. هناك شراكة بين الجامعة والعديد من المؤسسات العلمية العالمية في الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها.

وتهدف من تلك الشراكة الاستفادة من الكفاءات العلمية في تلك المؤسسات من جانب والعمل في صورة شراكة لحل المشكلات التي تواجه عالمنا مثل نقص المياه وغيرها.

في النهاية، أود القول إن تلك الجامعة هي نموذج يمكن أن تطبقه المملكة لإحداث التغيرات الاجتماعية المنشودة على الجانبين العلمي والنواحي الاجتماعية. فيمكن للجامعات السعودية أن تزيد من تعاونها مع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وتستفيد من الأجهزة والعقول الموجودة فيها.

من ناحية أخرى، إن تجربة التعايش بين الجنسيات المختلفة والأديان المختلفة والجوانب الترفيهية المتواجدة في الجامعة، يمكن أن تساهم في الدفع بعجلة التغيرات الاجتماعية التي يقوم على تحقيقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وتلقى قبولاً كبيراً في الداخل والخارج.

كاتب مصري

Email