القوة الناعمة.. إمارات الخير

ت + ت - الحجم الطبيعي

تقول الحكاية التي تُروى للأطفال؛ إنّ الريح والشمس دخلتا في جدال حول مَنْ منهما أقوى، ولكي تُثبِتا قوّتهما اتفقتا على إجراء اختبار بسيط، فمن تستطيع منهما جعل الرجل الذي يسير في الشارع يخلع معطفه تكون هي الأقوى، وبالفعل بدأت الريح أولاً؛ فأطلقت أعتى ما لديها من عواصف، ونفخت في وجه الرجل وحاولت جاهدة أن تنزع معطفه، لكنّ الرجل الصغير جداً مقارنةً بقوّة الريح؛ تمسّك بمعطفه جيداً، وبقي يقاوم ويقاوم حتى تعبت الريح، واستسلمتْ.. وحين جاء دور الشمس، أطلقت أشعتها الدافئة بلطف، وزادت من حرارتها، وما هي إلا دقائق حتّى كان الرجل يخلع معطفه من تلقاء نفسه، وبسرورٍ تام...

قد تكون مجرّد قصة للأطفال، لكنّها تحمل دلالات عميقة ورسائل عديدة، فالقوة الناعمة هي القوّة المطلقة، وهي الأكثر قدرة على التأثير في الناس، لأنهم لا يقاومونها، بل يتقبّلونها برحابة صدر ويخضعون لها برضا كامل وسعادة كبيرة.

مفهوم «القوة الناعمة» الذي ظهر كمصطلح ابتكره الأستاذ في جامعة هارفارد جوزيف ناي في تسعينيات القرن الماضي؛ كان موجوداً كتطبيق عملي منذ أمد بعيد، من خلال الفنون والآداب المتنوعة التي استطاعت أن تحقّق القوة المطلوبة بألطف الطرق، وأن تجذب الناس إلى أصحابها وتقنعهم بالأفكار التي تريد نشرها وترسيخها، وتمكّنت العديد من دول العالم أن تفرض سيطرتها وتحقّق أهدافها من خلال هذه القوّة الناعمة وفي تاريخنا الإسلامي دليل ساطع على دور القوة الناعمة في إيصال الرسائل الحضارية والمعتقدات الصحيحة للأمم والشعوب الأخرى، ودليل ذلك انتشار مبادئ ديننا الحنيف في آسيا وفي بقاع كثيرة من العالم بفضل التجار المسلمين لا بقوة السيف ونيران البنادق..

ويبدو أن الدول العظمى التي دخلت في العديد من الصراعات والحروب الطاحنة عبر تاريخها؛ قد أدركت أنّ القوة الناعمة أكثرُ تأثيراً من قوّة السلاح، وأنها تستطيع تحقيق أهدافها والوصول إلى مبتغاها بدون إراقة قطرة دماء.

هذا على الصعيد السياسي والعسكري، أمّا على الصعد الأخرى فالقوة الناعمة استطاعت أن تفرض نفسها كأكثر قوة تأثيراً، ولا سيما في المجالات الاقتصادية والاستثمارية، حيث اتبعت الدول أساليب جديدة لتنمية اقتصاداتها؛ عبر فتح أسواق جديدة عبر العالم، وتوسيع رقعة استثماراتها لتشمل الدول التي تمتلك مقوّمات الاستثمار المتميزة.

وفي دولة الإمارات العربية المتحدة؛ أخذت القوّة الناعمة مكانها منذ السنوات الأولى لتأسيس دولتنا الحبيبة، وقبل أن يظهر مصطلح القوّة الناعمة أصلاً للوجود، لأنّ قيادتنا الرشيدة أدركت منذ البدء أهمية تجسير العلاقة مع الآخر وبناء أواصر الصداقة والمودّة معه، فاستطاعت الإمارات بذلك أن تكون قِبلة للزائرين من مختلف بقاع الأرض ولمختلف الأسباب، للسياحة والعمل والاستثمار، الأمر الذي جعلها واحدة من أسرع دول العالم نموّاً وتطوّراً.

وقد تُوِّجت جهود الإمارات في سبيل تجسيد القوّة الناعمة في الجذب والتأثير العالمي، عبر إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، منذ ما يقرب العام، عن تشكيل «مجلس القوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة» الذي يهدف لتعزيز سمعة الدولة إقليمياً وعالمياً، وترسيخ احترامها ومحبتها بين شعوب العالم.

وعلى الرغم من أنّ الإمارات استطاعت تحقيق تأثير عالمي غير مسبوق، وفرض حضورها بقوّة في مختلف المجالات والميادين، إلّا أنّ هذا المجلس سيعمل على رسم استراتيجيات واضحة ومدروسة للقوة الناعمة للدولة، لكي تكون في أعلى درجات المنافسة العالمية، بل وفي مراكز التفوّق الأولى في الجذب والتأثير العالمي.

وتتبوأ المراكز الأولى حسب مسح مونوكل للقوة الناعمة للعام 2014، كلّ من الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وبريطانيا واليابان وفرنسا وسويسرا وأستراليا والسويد والدنمارك وكندا.. الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن السياسات التي تتبعها هذه الدول لتعزيز قوّتها الناعمة وترسيخ دورها في نشر فكرها وثقافتها وتقوية استثماراتها الاقتصادية..

نمتلك كلّ المقوّمات لتحقيق أهدافنا وترسيخ مكانة دولتنا إقليمياً وعالمياً، لأنّنا ببساطة نمتلك قوّة الشمس بدفئها ولطفها في التأثير، ونستطيع أن نتغلب على أعتى الرياح بقوّتنا الناعمة.

 

المنسق العام لبرنامج دبي للأداء الحكومي المتميز

Email