وبدأت الانتخابات الأميركية 2020

ت + ت - الحجم الطبيعي

إعلان ترامب المبكر للغاية عن خوضه الانتخابات الرئاسية لعام 2020 أضفى على حالة «الانتخابات الدائمة» التي تعيشها أميركا أصلاً طابعاً استثنائياً.

فالولايات المتحدة تعيش بالفعل حالة انتخابات دائمة. فلا يكاد يمر عام دون إجراء انتخابات لمناصب مختلفة في عشرات الولايات.

فمن الناحية الدستورية، تجرى الانتخابات الرئاسية كل أربعة أعوام. أما الكونغرس فتجرى انتخاباته كل عامين يتم خلالها التنافس على كل مقاعد مجلس النواب، وثلث مقاعد مجلس الشيوخ.

وبين هذه وتلك، هناك انتخابات حكام الولايات الخمسين وانتخابات مجالسها التشريعية فضلا عن الانتخابات المحلية في المدن من منصب العمدة لمجالس المدن وغيرها من الوظائف الانتخابية الأخرى. وعلى ذلك، فلا يكاد يمر عام أو أقل إلا وكان على المواطن الأميركي أن يذهب لصناديق الاقتراع.

لكن هذا كله مجرد بعد واحد من أبعاد حكاية الانتخابات الدائمة. فلأنها تعيش انتخابات دائمة، فإن الولايات المتحدة تشهد حملات انتخابية لا تتوقف. صحيح أن الرئيس، مثلاً، ينتخب كل أربعة أعوام، إلا أن الانتخابات الرئاسية التالية تبدأ، من الناحية العملية، بمجرد تنصيب الرئيس.

فالطامحون في الترشح يبدأون في دراسة الساحة السياسية وفرص الفوز. وهم في ذلك يشرعون في تكليف «خبراء» الانتخابات بمساعدتهم على تحري الأمر. والخبرة في مجال الانتخابات صارت صناعة أميركية رائجة يتقاضى الذين يمتهنونها، بالمناسبة، أجوراً خيالية. ويظل أولئك الطامحون يستعدون، بعيداً عن الأضواء، إلى أن يحين الوقت المناسب للإعلان عن ترشحهم والذي قد يحدث قبل عام أو أكثر قليلا من انعقاد الانتخابات رسمياً.

ويصدق كل ما تقدم على انتخابات الكونغرس أيضا.

فعضو مجلس النواب يدير عمله في المجلس وعينه طوال الوقت على حملة إعادة انتخابه بعد عامين، بينما يظل عضو مجلس الشيوخ طوال مدة السنوات الست التي يقضيها في مقعده يعمل جدياً من أجل اللحظة التي سيخوض فيها الانتخابات مجدداً.

بعبارة أخرى فإن الرئيس في مدته الأولى، مثله مثل أعضاء الكونغرس، عينه طوال الوقت على لحظة انتخابه لمدة ثانية.

الجديد هذه المرة أن ترامب أعلن بعد عام من توليه أنه سيخوض المعركة الانتخابية لعام 2020 بل وأعلن اسم الشخص الذي سيدير عندئذ حملته الانتخابية. وقد تبين أيضا أن ترامب كان قد تقدم بأوراقه رسمياً لإعادة الانتخاب بعد يوم واحد من تنصيبه في العشرين من يناير 2017.

وقد مثل الإعلان فضلاً عن التقدم بالأوراق استثناء ليس له سوابق. فالرئيس الموجود بالبيت الأبيض عادة ما لا يعلن عن ترشحه لفترة ثانية، ناهيك عن أن يعلن ذلك في ذلك الوقت المبكر للغاية. وقد جرت العادة في الولايات المتحدة على اعتبار ترشح الرئيس متوقعاً ما لم يعلن غير ذلك. بعبارة أخرى، فإن المتوقع أن الرئيس الذي في مدته الأولى، دون أن يعلن شيئاً مطلقاً، سيخوض الانتخابات التالية طالما أنه لم يعلن عدم خوضها.

لذلك كان ما فعله ترامب بمثابة مفاجأة فهو أعلن ما هو متوقع أصلاً وأعلنه مبكراً للغاية حتى قبل إعلان أي مرشح آخر ينوي خوض المعركة على منصب الرئاسة.

لكن اللافت للانتباه أيضا أن ترامب أعلن عن اسم مدير حملته. فهو اختار براد بارسكيل، الذي عمل ضمن حملته الانتخابية في 2016، ليكون مديراً لحملته في 2020. ولذلك الاختيار دلالات مهمة، أولها أنه رغم المشكلات الكثيرة التي تحيط بصهر الرئيس، غاريد كوشنر، إلا أن اختيار بارسكيل يؤكد أن كوشنر لا يزال في الدائرة الضيقة لصنع القرار.

فالمعروف أن التحقيقات الخاصة بالتدخل الروسي تطال غاريد كوشنر، فضلا عن أن القرار الذي اتخذ مؤخراً بالبيت الأبيض، يحرم كوشنر من الاطلاع على الوثائق الحكومية بالغة السرية التي كان يطلع عليها إلى حين حصوله على الموافقات الأمنية التي تلزم من يطلع على مثل تلك الوثائق. واللافت أن قرار البيت الأبيض هذا تزامن مع إعلان ترامب عن اسم مدير حملته القادمة، صاحب العلاقة الوثيقة بكوشنر الذي كان أصلا وراء استقدامه للعمل في الحملة الأولى.

ومن ناحية أخرى، بات واضحاً أن ترامب ينوي الاعتماد في حملته القادمة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي يبرع بارسكيل في استخدامها انتخابياً، وكان المسؤول عنها في حملة ترامب الأولى.

أما الدلالة الثالثة والأهم على الإطلاق، في تقديري، لاختيار بارسكيل هي أن ترامب يسعى، من خلال ذلك الإعلان المبكر للغاية، لإشعال حماس جمهوره الرئيسي. فرغم أن شعبية ترامب تتراوح بين 37 و39%، إلا أن تلك النسبة هي في الحقيقة نسبة القاعدة الانتخابية التي تؤيده بكل قوة.

وترامب باختياره لبارسكيل يبعث برسالة لذلك الجمهور تحديداً. فالرجل قال عن نفسه منذ شهور أنه «ابن أسرة عمالية من (ولاية) كنزاس، أعرف بوضوح ما يقوله ترامب». والأرجح أن تلك العبارة التي قالها بارسكيل بعفوية عن نفسه ستكون هي جوهر الرسالة الانتخابية التي يستعد بها ترامب لخوض الانتخابات القادمة.

Email