مصر.. وأعداء يراهنون على المستحيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

عاملان أساسيان كانا على الدوام يمثلان صمام الأمان لسلامة مصر واستقرارها. العامل الأول هو هذه الوحدة التي تجمع كل المصريين في مواجهة كل التحديات، والتي ترفض كل محاولات زرع الفتن الطائفية أو الدينية. أما العامل الثاني فهو الجيش الوطني الذي لم يتخل يوماً عن دوره حامياً للأرض، وحارساً للدولة، وداعماً ـ في كل الأحوال ـ لإرادة الشعب.

دروس التاريخ التي تؤكد ذلك كثيرة، ومع ذلك فقد رأينا الإخوان وباقي الجماعات الإرهابية ومعها كل القوى الإقليمية والدولية الداعمة للإرهاب تراهن على المستحيل. بعد سقوط الحكم الفاشي الإخواني لمصر في يوم 30 يونيو، شاهدنا كيف انطلقت عصابات الإخوان وحلفاؤها يحرقون عشرات الكنائس ويهددون أقباط مصر، ويتصورون أنهم سينجحون في إشعال فتنة طائفية كانت عواصم عالمية وإقليمية تنتظرها لتترجم دعمها للإخوان إلى عدوان على إرادة شعب مصر!!

ويومها جاء الرد من شعب مصر الذي وقف المسلمون فيه يدفعون الشر عن الكنائس، ووقف الأقباط يرفضون كل محاولات الفتنة، وجاء صوت البابا تواضروس رأس الكنيسة المصرية يعلن في حسم «إن وطناً بلا كنائس خير لنا من كنائس بلا وطن».

سقطت المحاولة، لكن التآمر لم يتوقف.. وربما لأن المشهد في المنطقة يغري بتكرار المحاولة، وربما لأننا أمام إرهاب لا يؤمن بوطن وأطراف عميلة «من جماعات ودول» لا تعرف إلا لغة الكراهية.

لو قرأ هؤلاء شيئاً عن مصر، أو تفهموا أنها البلد الذي هدى البشرية للتوحيد، وعلم الدنيا معنى الحضارة وقيم التسامح. لو أنهم فعلوا لأدركوا أن ما يسعون إليه هو المستحيل الذي سعى إليه من قبل مستعمر أجنبي فكان الرد في ثورة 1919 هو توحد مصر كلها تحت مظلة أن «الدين لله والوطن للجميع».

وهو المستحيل الذي حاوله الإخوان منذ أن أخطأ السادات وأعادهم للحياة في السبعينات من القرن الماضي، فدفع حياته ثمناً لذلك. وهو المستحيل الذي حاولته القوى الأجنبية أن تتخذه مبرراً للتدخل في شؤون مصر، فكان الرد من أقباط مصر أنهم ليسوا أقلية، وأنهم لا يحتمون إلا بشركائهم في الوطن، وهو المستحيل الذي يجعل من شيخ الأزهر وبابا الأقباط يرفضان مقابلة نائب الرئيس الأميركي عند زيارته القاهرة، احتجاجاً على القرار الأميركي الأخير حول القدس في تأكيد جديد على وحدة وطنية لا تنفصم عراها مهما كانت التحديات.

ميدان الصراع الكبير الآخر هو جيش مصر الذي يخوض الآن أشرف المعارك من أجل استئصال بؤر الإرهاب في إطار العملية الشاملة «سيناء 2018».

تدرك قوى الشر أن تحرك الجيش المصري هو إعلان للجميع بأن الطريق إلى مصر كلها «وليس سيناء فقط» مغلق أمام «العائدين من سوريا والعراق» الذين يبحث لهم من يرعونهم ويدعمونهم عن نقاط تمركز جديدة ينشرون فيها إرهابهم المنحط.

وتدرك قوى الشر معنى احتشاد هذه القوات العسكرية الكبيرة، ومشاركة كل الأسلحة وفي المقدمة سلاح البحرية الذي لم يكتف بالعمل العسكري في البحر المتوسط، بل يشارك ـ في نفس الوقت ـ في مناورات مشتركة مع البحرية الفرنسية في مياه البحر الأحمر، لتقول بوضوح إن ذراع مصر طويلة، وإن مصالحها مؤمنة، وأن على الجميع أن يفهم ذلك ويتصرف على أساسه!

في المقابل.. نجد حالة من الجنون تنتاب جماعات الإرهاب الإخواني ـ الداعشي ـ والقوى التي تدعمها، ونجد «الجزيرة» وأخواتها من الأذرع الإعلامية لمنظومة الإرهاب تشن حملة ضارية تركز سهامها الطائشة على جيش مصر وتحاول ـ بجهل فاضح ومفضوح ـ أن تجد ثغرة في العلاقة الأبدية بين شعب مصر وجيشها الوطني.

ولأن الغرض مرض والجهل أعمى، فإن حملات الأكاذيب الإخوانية ـ القطرية تتوهم أنها يمكن أن تؤثر في العلاقة بين جيش مصر وبين أهالي سيناء. لا يفهم هؤلاء أن سيناء هي الجزء الأعز على جنود مصر، فهي الأرض التي رووها بدمائهم وحرروها بتضحياتهم.

ولا يفهم هؤلاء أن أهلنا في سيناء كانوا على الدوام شركاء الكفاح مع جيش الوطن، ولو عادوا فقط ما بعد يونيو 1967 لقرأوا صفحات رائعة من النضال في حرب الاستنزاف ثم في أكتوبر المجيدة. ولأدركوا أن من هزموا العدوان الإسرائيلي وأعادوا سيناء حتى آخر شبر فيها لحضن الوطن، لن يتركوا خفافيش الإرهاب تعشش فيها أبداً.

ولا يفهم هؤلاء أن أهلنا في سيناء هم جزء أصيل من شعب يعرف جيداً أن جيشه الوطني ليس من جيوش المرتزقة، ولا هو جيش لحاكم أو نظام، وإنما هو جيش مصر الذي لم تتفرق يوماً كلمته، ولم يغب عنه يوماً هدفه، ولم يكن له يوماً من ولاء إلا لشعبه المتحد ولدولته التي يمثل استقرارها وقوتها الضمانة الأساسية للأمن العربي كله.

لا يفهم هؤلاء كيف يقف الشعب كتلة واحدة وراء جيشه لأنهم لا يعرفون إلا حكم الميليشيات أو المرتزقة، ولا يفهمون كيف يكون الجيش جزءاً أصيلاً من الحركة الوطنية.. لأنهم لا يؤمنون بقيمة الوطن ولأنهم «كما رأينا في تاريخ الإخوان بمصر» كانوا على الدوام يقفون في الجانب المعادي للحركة الوطنية منذ أن نشأت جماعتهم تحت رعاية الاحتلال البريطاني!

تمضي مصر في حربها لاستئصال بؤر الإرهاب من جذورها. وتمضي في حربها لإعادة بناء الدولة ونشر العمران فيها. بدءاً من سيناء العزيزة على كل مصري.

وتمضي جماعات الإرهاب الإخواني ـ الداعشي إلى مصيرها المحتوم، ومع ذلك تظل «ومعها الداعمون من المتآمرين والعملاء» تحاول ـ حتى النفس الأخير ـ أن تجد طريقاً لزرع الفتنة الطائفية، أو للإساءة لعلاقة أزلية بين شعب مصر وجيشها الوطني.. غير واعية بأنها تراهن على المستحيل!!

 كاتب مصري

Email