عملية سيناء الشاملة.. رسائل ومسارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

«العملية الشاملة سيناء 2018» التي تنفذها القوات المسلحة المصرية بالتعاون مع أجهزة الشرطة، للقضاء على الإرهاب في سيناء، يتطابق مسماها مع الواقع، بمعنى أن الشمول الذي توصف به هذه العملية له أكثر من معنى، الأول أنها تنصرف إلى مواجهة شاملة للإرهاب ليس فحسب في ذلك المثلث في سيناء الذي يتخذه الإرهاب مسرحاً لعملياته الإجرامية، بل تمتد لمواجهة الإرهاب في الوادي والدلتا والظهير الصحراوي الغربي وكل المحاور الاستراتيجية الحدودية في الغرب والجنوب والشمال والشرق، براً وبحراً وجواً، أما المعنى الثاني فيشير إلى اشتراك كل أذرع القوات المسلحة وتشكيلاتها التعبوية البرية والبحرية والجوية والاستطلاع والرصد، في حصار وتصفية البؤر والمواقع التي تؤوي المجموعات الإرهابية، وفق خطة مدروسة بدقة من واقع المعلومات والخبرات المتراكمة في مواجهة هذه الجماعات الإرهابية، أما المعنى الثالث - وقد لا يكون الأخير- فيشير إلى أن هذه العملية الشاملة تبعث برسائل مختلفة تتجاوز الجماعات الإرهابية إن في سيناء، أو في أية منطقة أخرى، مضمون هذه الرسائل أن مصر وجيشها قادران على حماية الأمن الوطني المصري والمصالح الحيوية المصرية في كل الاتجاهات، وهي رسالة موجهة للدول الداعمة للإرهاب والممولة له، والتي توفر الملاذات الآمنة لقادته وتؤمن لهم أبواقاً إعلامية يبثون من خلالها سمومهم.

اختيار توقيت هذه العملية الشاملة ينم عن تقدير استراتيجي شامل للبيئة والمخاطر، التي تواجهها مصر وكيفية التعامل معها، وعلى صعيد آخر فإن توقيت عملية سيناء الشاملة ارتبط بتوفر الخبرات وتراكم المعلومات ورصد الدروس وتحليلات المواجهات المستمرة للإرهاب ورصد أماكن تواجد البؤر الإرهابية في المثلث المعروف في سيناء؛ رفح الشيخ زويد وغيرها، وذلك على ضوء العمليات العسكرية والأمنية مثل عملية حق الشهيد 1، 2 وغيرها من العمليات والمواجهات التي سبقتها، وهو الأمر الذي أتاح للقوات المسلحة والشرطة وأجهزتها تخطيط وتدبير هذه العملية الشاملة وتنفيذها على مسرح العمليات بطريقة منظمة ودقيقة.

ولا شك أن مسار هذه المواجهة الشاملة للإرهاب من خلال تلك العملية، يشير إلى العديد من المسارات التي تتكامل فيما بينها، لتؤتي هذه العملية ثمارها في تصفية الإرهاب والبؤر الإرهابية، المسار الأول هدم ما يمكن تسميته «بالبنية التحتية» للإرهاب ويتمثل ذلك في هدم وتدمير المخابئ والملاجئ التي تؤوي هذه الجماعات، والبؤر والعشش والمخازن والأنفاق التي يستخدمها الإرهابيون في المرور وتخزين السلاح، وكذلك تدمير مراكز الإرسال الإذاعية واللاسلكية، أما المسار الثاني فيتمثل في الحصار البري والبحري والجوي الذي فرضته القوات المسلحة وأجهزة الشرطة على المنافذ التي يتسلل منها الإرهابيون؛ لقطع خطوط الإمداد والتموين والتمويل وإغلاق منافذ الهرب أمامهم، وذلك عبر فرض الرقابة على الشواطئ والمياه الإقليمية من قبل القوات البحرية واستخدام الحق القانوني في تفتيش السفن العابرة في المياه الإقليمية والدولية، كذلك فإن ثمة مساراً آخر لهذه العملية الشاملة لمواجهة الإرهاب يتمثل في فك الترابط والتلازم بين الإرهاب وبين الجريمة المنظمة ونشاطاتها الإجرامية في تهريب المخدرات والمواد المخدرة والأسلحة، فالجريمة المنظمة في مجال المخدرات والنباتات المخدرة تلعب دوراً مهماً في تمويل الإرهاب، كما أن هذا الأخير ومن خلال العنف الإرهابي ساهم في حماية الجريمة المنظمة والتغطية على أنشطتها، وهذا المسار يحرم الإرهاب والإرهابيين من مصدر محتمل للتمويل يضاف إلى المصادر الخارجية.

وأخيراً وليس آخراً يلاحظ أن ثمة تلازماً بين المسار العسكري والأمني للعمليات مع المسار الإنساني، حيث قامت القوات المسلحة بتأمين احتياجات المواطنين بالتعاون مع المحليات والأجهزة التنفيذية من السلع والمواد الغذائية والتموينية وإتباع قواعد الانضباط واحترام المواطنين عند تفتيش المنازل لتنفيذ المهام التأمينية وملاحقة الإرهابيين، حيث شهد العديد من المواطنين رجالاً وشيوخاً وسيدات، برقي نمط المعاملة التي يتلقونها من قبل مسؤولي تنفيذ هذه المهام.

كاتب ومحلل سياسي

Email