مصر الجوهرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهد العالم كله صور الكاتدرائية القبطية التي تم تشييدها في العاصمة الإدارية الجديدة، كما استمع العالم من أقصاه إلى أقصاه، إلى تصريح الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أدلى به العام الماضي، مؤكداً أنه سيحتفل بمناسبة عيد الميلاد المجيد المقبل، أي العام الحالي، مع مواطنيه الأقباط في الكاتدرائية الجديدة، وهي تعتبر أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط..

قائد وطني لا يفرق بين مواطنيه وفقاً لعقيدتهم الدينية.. بل على أساس انتمائهم الوطني فحسب.. ومنذ تولي الرئيس السيسي مسؤولية القيادة ومصر تنفض عنها، رويداً رويداً، غبار عقود تغلغل فيها الفكر الظلامي المتحجر والذي ينسب نفسه زوراً إلى الدين الإسلامي وهو فكر سمته الأساسية، رفض المختلف عنه، ليس في العقيدة الدينية فحسب، بل في كافة تفسيرات وتأويلات، أبواق مخططي تفتيت الوطن العربي إلى دُويلات عرقية وطائفية، وهو مخطط كان يمضي على طريق من حرير، لولا ثورة يونيو المجيدة التي خرجت ملايينها، ما بين الثلاثين والأربعين مليوناً، لتمزّق المخطط وتصيب واضعيه بشلل واضح.

لكن من قال إن قوى الشر تقبل التسليم بالأمر الواقع؟ لقد جُن جنونهم، فانهمرت الأموال من خزائن الأشرار لتغرق أعداء الوطن من الداخل وزودتهم بكافة أدوات الهدم، من شائعات لنشر البلبلة والإحباط، والتشكيك في أي إنجاز تحققه الدولة رغم الأنواء والعواصف المحيطة بنا من كل جانب، وكذلك من أسلحة ومتفجرات تستهدف الجيش والشرطة وكذلك المواطنين العاديين وبشكل خاص، الأقباط منهم، إمعاناً في خدمة مشروع سادتهم في الخارج وقد شهد العالم كيف حمت واشنطن عناصر تنظيم داعش الإرهابي في سوريا وكيف كثفت نشاطها التدميري الطائفي في مصر.. ويصعب ألا يلفت الانتباه تزامن الهجوم الإرهابي في حلوان مع تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، معرباً عن نيته بإرسال مبعوث له للوقوف على «حالة اضطهاد الأقباط في مصر!!!»، جاءه الرد الأول من حلوان حيث كان مخططاً قيام الإرهابي بمذبحة في كنيسة ماري مينا تقترب من مجزرة مسجد الروضة في العريش.. تجلى الجوهر المصري الأصيل في حلوان فكان بمثابة صفعة على وجه كل مشكك في وحدة المصريين، وأنهم ينصهرون في ذات الكيان الوطني، بغض النظر عن العقيدة الدينية في لحظات تهديد هذه الوحدة.. ومنذ أيام احتفل المصريون بذكرى مولد السيد المسيح في الكاتدرائية الشامخة الأكبر في الشرق الأوسط، كما سبقت الإشارة، ومن ثم يستحيل أن ينكرها إلا فاقد البصر والبصيرة.. وتستعيد مصر أياماً مجيدة مماثلة عندما افتتح الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الكاتدرائية المرقصية مع قداسة البابا كريللوس، بابا الأقباط والكرازة المرقصية..

هل لدى المشككين في وحدتنا الوطنية أدنى تفسير لدولة يقولون عنها إنها «تضطهد أبناءها المسيحيين»، بينما هي تشيّد لهم دور عبادة بهذا الحجم؟ إن من يعانون من الاضطهاد يختبئون ويتوارون عن الأنظار لممارسة شعائرهم الدينية وفي أماكن أشبه بالجحور، وليس في كاتدرائية بحجم كاتدرائية العاصمة الإدارية الجديدة لتقف شاهداً على مصر التي تستعصي شفرتها على الحل، والتي عادت شمسها الذهب من جديد، في حلوان ثم في العاصمة الجديدة، ومع بزوغ فجر جديد يلوح نوره في الأفق.

Email