ليست أبعد من قضية تحرش

ت + ت - الحجم الطبيعي

انتفخت أوداج الأكاديمي العربي الذي يعمل في الجامعات الغربية، أثناء اعتلائه منصة إحدى المحطات الفضائية الغربية الناطقة بالعربية وهو يقول بحسم وثقة مفرطة: إنها أبعد من قضيتي تحرش واغتصاب، إنها العداء الغربي للإسلام والمسلمين.

لم يكن الحوار يدور حول ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، بل كان يدور حول قضية المفكر السويسري من أصل مصري «طارق رمضان»، الذي ألقت السلطات الفرنسية القبض عليه قبل نحو أسبوع وتجري معه تحقيقات بتهم الاغتصاب التي وجهتها إليه سيدتان، تعود التهمة الأولى منهما إلى عام 2009 بينما تعود التهمة الثانية إلى العام 2012.

وبطبيعة الحال المتهم بريء حتى تثبت إدانته، لكن الأسئلة التي يطرحها المنخرطون في التيارات الدينية السياسية يمكن الرد عليها، بعيداً عن المحاولات المحمومة التي تجري من قبل بعضهم لتبرئة الجاني واتهام الضحية، ناهيك عن أن السلطات الفرنسية أجرت تحريات بشأن تلك الدعوى لمدة ثلاثة أشهر قبل القبض عليه والتحقيق معه.

لا تنقصنا الأدلة على عنصرية الغرب تجاه كل مختلف في الدين أو الجنس أو اللون أو العرق، لكن التعليق السابق يكشف عن نموذج لمسلمين يعيشون في الغرب ويعملون به وربما يحملون جنسيته، ويعجزون عن الاندماج في مجتمعاته، واحترام قوانينه، ومع أول صدام مع تلك القوانين يشهرون دينهم باعتبارهم ضحية كونهم مسلمين لا مواطنين مدانين!

من الطبيعي أن يسأل البعض ولماذا تثار قضية «طارق رمضان» الآن بعد مضي نحو تسع سنوات على الواقعة الأولى وست سنوات على الثانية، والجواب بسيط للغاية و يعود إلى حملة «أنا أيضا» التي بدأتها قبل أسابيع في الولايات المتحدة الأميركية مجموعة من الممثلات الناشئات ضد المنتج الأميركي «هارفي واينستين» تتهمنه فيها بالتحرش والاعتداء الجنسي عليهن، في مقابل أن يفسح لهن مجالاً للعمل.

وقد شجعت هذه الحملة ضحايا التحرش والاعتداءات الجنسية في بلدان شتى في أنحاء العالم، على عدم الصمت على هذه الجريمة المخزية والمهينة التي تشوه النفس البشرية، ومنحت الضحايا الثقة بالنفس والقوة للتحرر من مشاعر الخوف والانكسار.

والكشف عن هذه الجرائم ليس سوى تضميد لجروح غائرة وتشوهات باتت عبئاً على أصحابها، وتشهيراً بمرتكبيها لدفعهم للإقلاع عن تكرارها، لاسيما ونحن نعيش في ظل مجتمعات تعتبر الكشف عن تلك الجرائم المتفشية فضائح يتحتم التستر عليها!

لا بأس هنا من الأخذ بعين الاعتبار التفرقة بين الغزل الرقيق المقبول وبين التحرش بوصفه جريمة، وهو المعنى الذي انطوى عليه البيان الذي وقعته الممثلة الفرنسية «كاترين دينيف» مع نخبة من النساء المرموقات اعتراضاً على ما أسمينه التعميم في حملة «أنا أيضا».

«طارق رمضان» يحاكم في فرنسا بتهمة أنه رجل مغتصب، وليس لأنه مسلم أو حفيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الذي وصف الإسلام بأنه «عقيدة وعبادة» محدداً بذلك المنهج الذي تبناه فيما بعد تيار الإسلام السياسي، الذي اعتبر صلب هذا المنهج وجوهره هو الصعود إلى السلطة بشتى الطرق!

ولأن طارق رمضان ولد وتعلم وعاش وتزوج في الغرب واشتهر في ساحته الأكاديمية والبحثية كمفكر إسلامي معتدل، يسعى للبحث عن مشتركات بين الإسلام والحضارة الغربية، إلا أن تحركاته وارتباطاته في السنوات الأخيرة كشفت ازدواجية الخطاب الذي سعى مع غيره لترويجه عن نفسه، لأنه ليس سوى عضو كفؤ ونشط في تيار ديني سياسي في المنطقة، وواحد من أبرز العاملين بما اكتسبه من معرفة وتجربة، على خدمة أهداف هذا التيار، وبخاصة السعي لدى دوائر صنع القرار في الغرب لإقناعها باعتداله، وقدرته على مواجهة فصائل التطرف الديني والإرهاب الأخرى.

فهو عضو في اتحاد علماء المسلمين الذي أسسه في قطر يوسف القرضاوي، ومدير لمركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق في قطر، ويشرف على مراكز تعليمية وبحثية قطرية في بريطانيا، فضلا عن أنشطة مماثلة في كل من تركيا وألمانيا، وكلها محطات رئيسية ينشط بحرية تامة داخلها، التنظيم الدولي لجماعة الإخوان.

وليس سراً الموقف المتخلف والانتهازي للتيار الديني السياسي من المرأة، فهو يشيع تأويلات فقهية تكرس للنظرة الدونية للنساء، فهي عورة لا تصلح سوى للوظائف التقليدية التي تنحصر في الانجاب وتربية الأبناء، وهي صوت انتخابي حين يتم حشدها لصناديق الاقتراع لإنجاحه في الانتخابات العامة والرئاسية، لكن يبقى أن أهم ما سوف تسفر عنه نتائج التحقيقات مع طارق رمضان، أن انتحال هذا التيار لصفات التقوى والطهر والدعوة للفضيلة والحض على الأخلاق، ما هو إلا محض اختلاق وادعاء، وجزء من تجارتهم المفضوحة بالأديان!

Email