سنة أولى ترامب ومنطقة الشرق الأوسط

ت + ت - الحجم الطبيعي

مضت سنة على وصول الرئيس دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة. وقد كان لانتخابه دوي عالمي، حيث لم يتوقع أي من المراقبين فوزه بالانتخابات. وقد أحاطت بالمرشح ترامب كثير من الخلافات لجهة السياسات التي يتبناها، وسلوكه الذي يرى الكثير أنه غير رشيد. إضافة إلى كثير من الفضائح التي تطارد الرئيس، حتى بعد توليه الرئاسة، وما زالت قيد التحقيق إلى يومنا هذا.

هذا بالنسبة للسياسة الداخلية وظروف انتخاب الرئيس. أما بالنسبة للسياسة الخارجية، فإن الرئيس اتبع سياسات تتسم بالمواجهة مع الدول المارقة، مثل كوريا الشمالية وإيران. كما أن الرئيس ترامب توعد المنافسين التجاريين، كالصين، بمعاملة مختلفة، وحذرهم بعدم الركون إلى قبول الولايات المتحدة بالسياسات المجحفة تجاهها.

وبالنسبة للشرق الأوسط، فإن الرئيس حذر من أن الولايات المتحدة تتوقع من دول المنطقة، مساهمة اقتصادية مقابل ما تبذله واشنطن في تحقيق الأمن في المنطقة. ورغم فجاجة المطلب وخلوه من أي كياسة دبلوماسية، فإن هذا المطلب غير واعٍ بظروف العلاقة بين دول المنطقة والولايات المتحدة.

فالعلاقة تتميز بكثير من تبادل المصالح. فهناك مصالح نفطية مهمة للولايات المتحدة وحلفائها. وأي اختلال في أسواق الطاقة، سيؤدي إلى عواقب اقتصادية وخيمة. كما أن هناك مصالح تجارية واستثمارية تعود بالنفع على أطراف متعددة، منها الولايات المتحدة، وتجلب كثيراً من الوظائف إلى مواطنيها. وبالتالي، فإن الدور الذي تؤديه واشنطن في المنطقة، يعود بكثير من الفائدة عليها وعلى حلفائها الغربيين. والقول بأن دول المنطقة تستفيد فقط من الولايات المتحدة دون مقابل، قول يجافي الواقع. وحقيقة الأمر أن الولايات المتحدة تخشى من أن تضطلع دول أخرى بدورها في المنطقة، حتى لو كانت من الدول الغربية، ناهيك عن الصين أو روسيا.

ومن قبل أن يصل إلى البيت الأبيض، فإن المرشح ترامب، توعد الإرهابيين بالويل والثبور وعظائم الأمور. وعند انتخابه رئيساً للبلاد، عين الرئيس صقوراً في إداراته، ليسوا معادين للإرهاب فحسب، ولكن معادين للإسلام كدين. ومنهم مايكل فلين مستشار الأمن القومي، وسباشتين جوركا نائب المستشار للأمن القومي. وقد استقالا الاثنان من الإدارة، بسبب أن الأول له علاقات مريبة مع روسيا. والثاني، استقال بسبب أفكاره المتطرفة وسجله الأكاديمي المشبوه، بل إن هناك مذكرة اعتقال في حقه من قبل سلطات بلاده الأصلية، وهي المجر.

واستهل الرئيس ترامب أول زياراته الخارجية إلى الشرق الأوسط. وقد استقبل بحفاوة، لما يمثله من تغيير في السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة. وقد اجتمع الرئيس بقادة السعودية، وبقادة العالم الإسلامي في المؤتمر الإسلامي-الأميركي في مايو 2017، والذي أفرد لمحاربة التطرف ومكافحة الإرهاب. وكلل المؤتمر بإنشاء المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف في الرياض.

وعندما قامت بعض دول المنطقة بخطوات عملية للحد من نشاط ممولي الإرهاب، وخاصة قطر، وبادرت هذه الدول بمقاطعة وفرض عقوبات عليها، لاتهامها بدعم التطرف والإرهاب في المنطقة، لم يكن هناك تجاوب واضح من قبل واشنطن.

ورغم التجاوب الذي أبداه قادة الدول العربية والإسلامية تجاه ترامب، ودعوته لمحاربة التطرف، إلا أن ذلك لم يشفع لقادة هذه الدول في قضيتهم الرئيسة في المنطقة. فقد أعلن الرئيس ترامب، عن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، دون أن يتحدث عن الحقوق الفلسطينية أو العربية أو الإسلامية في هذه المدينة، والتي يعتبرها المسلمون أولى القبلتين وثالث الحرمين.

والأدهى والأمرّ، أن الرئيس لم يقايض بالاعتراف للحصول عل أي شيء من نتنياهو. فلم يلتزم الأخير بإيقاف بناء المستوطنات، أو الدخول بمفاوضات جدية مع الفلسطينيين لإيجاد حل لصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، والعمل على إحياء العملية السلمية. بل بالعكس من هذا كله، فقد توعد الرئيس كل الدول التي تساند الفلسطينيين في الأمم المتحدة، والتي صوتت بأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل «باطل ولاغٍ». وأعلنت سفيرة الولايات المتحدة في المنظمة الدولية، أن ترامب أمرها بتدوين كل أسماء الدول التي تؤيد الاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة فلسطين، وأن واشنطن ستقطع المساعدات الدولية عن هذه الدول. كما أنها قامت بتعليق مساهمتها لوكالة غوث اللاجئين «الأونروا»، كعقوبة ضد الفلسطينيين.

ويدعي ترامب، الفضل في القضاء على داعش. ويقول محللون للقضايا الأمنية في الشرق الأوسط، إن ترامب يستحق الفضل في القضاء على داعش، ليس لأنه خطط لهزيمة التنظيم الإرهابي، ولكن لأنه استمر في الخطة الذي وضعها سلفه. وبعد تشكيل تحالف من 73 دولة، وعمل دام ثلاث سنوات، بدأت هذه الخطة تؤتي أكلها. وضاقت الرقعة الجغرافية التي تسيطر عليها داعش.

وخلاصة القول، إن عاماً من حكم ترامب، لم يكن له تأثير إيجابي في المنطقة. ولعل الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل، سيكون عقبة كأداء في سبيل التقدم في العملية السلمية، إذا قيض لها أن تفوق من سباتها العميق.

Email