«غصن الزيتون» الذي يحترق شمال سوريا

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يقل مأزق القوات الأميركية شمال سوريا في منطقة منبج عن مأزق القوات التركية في منطقة عفرين السورية، فعلى امتداد أكثر من أسبوعين لا تزال القوات التركية متعثرة في هجومها رغم وعود الرئيس رجب طيب أردوغان بأن تنجز قواته أهدافها في غضون أيام محدودة، لكن القوات التركية المسلحة بدبابات ليوبارد الألمانية والصواريخ الأميركية المضادة للدروع لم تستطع أن تحرز تقدماً محسوساً.

وبرغم أن المقاتلين الأكراد لا يملكون قوات مدرعة كافية إلا أنهم يعرفون جيداً أنهم يتعرضون لنوع من حرب الإبادة التي تتطلب شجاعة الصمود، وتقول تقارير المراقبين العسكريين إن هناك صعوبات ضخمة تواجه القوات التركية لصعوبة الأرض والمناخ السكاني المُعادي لتركيا، فضلاً عن أن العملية التركية لم يتم التحضير لها جيداً، وأن الجيش التركي متورط ميدانياً، لا يملك ما يكفي من الوحدات لمواجهة المقاتلين الأكراد الذين يبلغ تعدادهم 15 ألفاً ويصل إلى 30 ألفاً في حالة التعبئة الشاملة.

وتكاد العملية التركية أن تكون «محلك سر» تعتمد على القصف الجوي التركي لمواقع المقاتلين الأكراد من ارتفاعات عالية في الأغلب عشوائية، ومن الصعوبة بمكان أن تكون المعركة حاسمة أو أن يحقق فيها أي من الطرفين انتصاراً ساحقاً رغم الخسائر الضخمة التي يمكن أن يتكبدها كلاهما، فضلاً عن أنها تسبب صراعاً مرهقاً للولايات المتحدة، لأن التدخل التركي في عفرين يمكن أن يكون مقدمة لصراع أوسع لقوى إقليمية تدافع عن مصالح متناقضة مشروعة وغير مشروعة.

ومشكلة أميركا الرئيسية في حرب عفرين أنها تحاول دعم أكراد سوريا، الأكراد الأعداء الألداء للرئيس التركي رجب أردوغان الذي يرفض الاعتراف بحقهم في تقرير المصير، أو الحصول على نوع من الحكم الذاتي في تركيا، الذين هزموا داعش في سوريا، وهم أيضاً حلفاء واشنطن، الذين تعتبرهم الولايات المتحدة حليف أميركا الأول في سوريا، الذي يمكن أن يساعدها على توسيع وجودها العسكري المحدود في سوريا، الذي لا يتجاوز الآن ألفي جندي، وإنشاء قاعدة ضخمة في منطقة القامشلي تنافس قاعدة حميم الجوية الروسية في منطقة اللاذقية.

ويكمن مأزق الاستراتيجية الأميركية الجديدة في سوريا في صعوبة الاحتفاظ بعلاقات تحالف مع خصمين لدودين هما تركيا والأكراد، كما تكمن في غياب الثقة الشديد بين أردوغان وأميركا، حيث يتهم الرئيس التركي الولايات المتحدة بتدريب 30 ألف مقاتل كردي جديد كي يكونوا نواة قوة كردية تحمي حدود المنطقة الكردية في سوريا باعتبارها منطقة حكم ذاتي، سواء من الجيش السوري أو من القوات التركية، مع بحث إمكانية إقامة منطقة عازلة بين الأكراد والأتراك على حدود عفرين لطمأنة تركيا.

ويرقب الروس بكثير من الارتياح الخلاف المتصاعد بين الأتراك والأميركيين، وهل يصل إلى نقطة اللاعودة لتصبح تركيا أكثر انحيازاً للروس رغم عضويتها في الناتو، كما يرقبون مدى قدرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تكسير عظام الأكراد أهم حليف للولايات المتحدة في سوريا، بينما تقف قوات بشار الأسد على أهبة الاستعداد لدخول المعركة حلفاء لأكراد سوريا رغم إعلانهم الحكم الذاتي، وخلاصة القول إن الموقف في عفرين مفتوح على كل الاحتمالات، والمستفيد الأكبر هو الطرف الروسي والخاسر الكبير هو أردوغان.

فالحرب مثل النار يمكن أن تستعر وتنتشر من مستصغر الشرر، إن غابت الحكمة، وهذا ما يحدث بالفعل شمال سوريا، لأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عَبر بقواته الحدود السورية إلى منطقة عفرين، ورغم أن عملية غزو عفرين التي تشكل عدواناً مباشراً على أرض سوريا، تحمل اسم (غصن الزيتون)، فإنها يمكن أن تشعل حرباً واسعة في المنطقة يصعب حساب آثارها على الأمن والسلم الدوليين، لأنها تتعلق بمصالح أطراف عدة في دول المنطقة وخارجها، تشمل إيران وتركيا والعراق وسوريا والروس والأميركيين، فضلاً عن أن الرئيس التركي بغزوه منطقة عفرين وضع قواته في حالة تماس مباشر مع الوجود العسكري الأميركي في منطقة منبج على مسافة 100 كيلو متر من عفرين، حيث توجد قوات الغزو التركي، الأمر الذي زاد العلاقات الأميركية التركية سوءاً على سوء، إلى حد أن مستقبل العلاقات بين الدولتين يكاد يكون متوقفاً على نتائج الحرب التي يشنها رجب طيب أردوغان على أكراد سوريا.

* كاتب ومحلل سياسي

Email