بكي كيبل درسٌ في الإنسانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بالرغم من أن الإنسان منذ وُجد على أرض الخليقة وهو يعلم بجدلية الصراع بين الخير والشر، لكنه وبحكم الصراع من أجل البقاء يحاول دائماً أن يكبح جماح الشر ويبتدع الوسائل للحد من آثاره.

وعبر الحقب الزمنية المختلفة ظل هذا الصراع قائماً حتى صار حلم الإنسان الأزلي هو أن يحول الأرض إلى جنة تنعم بالخيرات والأمان وينتشر العدل ويتعاون البشر فيما بينهم وتعم السعادة. ثم جاءت الأديان السماوية واتفقت كلها على تيسير طريق الخير للإنسان ومحاربة الشر، فأضاءت الطريق ديناً بعد دين ورسالةً بعد رسالة، وآخرها رسالة نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، والتي رسمت طريق العدل والسلام والمحبة لكل البشر.

ظل حلم الإنسان بنعيم جنة الأرض قائماً ولم تشفع لأجله الرسالات السماوية ولا الأساطير ولا الملاحم التي أراد الإنسان من خلالها أن يعبر عن حاجته إلى عالم لا شر فيه ولا ظلم، لا جوع ولا مرض، لا حقد ولا أنانية.

إن جوهر المعادل الموضوعي بين الخير والشر، والذي أظهرته الرسالات السماوية والأساطير والملاحم وكل أحلام البشر، هو الأخلاق الفاضلة، يقابلها الشر والرذيلة بكل مسمياتها.

ورب سائل يسأل هل سيأتي يوم على البشرية تنعم فيه بالعدل والسلام والأمان وتقضي على الشر؟ سؤال يتعلق بمدى التزام الإنسان كفرد والمجتمع كوحدة متضامنة بمبادئ الفضيلة والأخلاق النبيلة.

وهناك من حقق ذلك على مستوى الفرد أو على مستوى المجتمع. نعم هناك من عاش سعيداً بنعمة الأخلاق السامية كفرد وهناك مجتمعات سعيدة تتسم أنظمتها بالعدالة والمبادئ الإنسانية الرفيعة فحققت الحلم.

ومن أمثلة العطاء الإنساني اللامحدود والذي يصنع السعادة ما سمعته عن سيدة أميركية قصتها تصلح أن تكون درساً أخلاقياً وبعداً إنسانياً رائعاً مجرداً من أية ذرة من الأنا، سيدة تجلت بأسمى معاني الإنسانية وأروعها..

السيدة بكي كيبل ( 46 عاماً ) تسكن في ضواحي نيويورك، كانت تنوي التبرع بجزء من كبدها لصديقتها المريضة وقامت بالفحوصات والإجراءات اللازمة لهذا الغرض، وما إن أصبحت جاهزة للعملية حتى أبلغها الأطباء أن حالة صديقتها ساءت ولن تنفع معها العملية، فقالت لهم بالحرف الواحد:«لا بأس اجعلوا تبرعي بجزء من كبدي لأي مريض آخر).

ولا تدري بكي كيبل أن هذا المريض الذي ستنقذ حياته هو الطفل العربي أحمد.

الطفل أحمد، الوحيد لوالديه، وهو من عائلة حلبية تسكن دبي، أصيب بمرض جينيٍّ نادر يصيب واحداً من كل مليون طفل يسمى مرض الركود الصفراوي يتسبب في تعطيل وظائف الكبد، وبعد فشل العلاج بالأدوية نصح الأطباء والديه بالسفر إلى أميركا وقالوا لابد له من زراعة الكبد وعلى وجه السرعة.

قررت الأم أن تتبرع بجزء من كبدها لفلذة كبدها وتأخذه إلى أميركا، وبصعوبةٍ بالغة حصلت على تصريح الدخول لها ولولدها ولم يحصل والده على تصريح بالدخول لأميركا. سافرت الأم مع طفلها المريض وفي المستشفى رفض الأطباء إجراء العملية لها إلّا بحضور زوجها بسبب المضاعفات المتوقعة بعد العملية. فصارت الأم في موقف عصيب تكاد فيه أن تخسر حياة ولدها الوحيد.

ولكن رحمة الله أتت من حيث لا تعلم هذه المرأة، فقد جاء تبرع السيدة الأميركية في الوقت العصيب الذي هي فيه ولا تعرف ماذا تفعل حيث لا حول لها ولا قوة.

لقد أجرت السيدة بكي كيبل العملية وخضعت بعدها لعمليات أخرى حتى تعافت وتعافى الطفل أحمد وكتبت الصحافة ووسائل الإعلام عن هذه القصة الإنسانية الرائعة، وسأل أحد الصحفيين السيدة كيبل: ما الذي جعلك تتبرعين لشخص لا تعرفينه؟ قالت أعتقد أن الله يحب أحمد وأراد أن يمنحه الحياة، وهذا شرف أن يعطي الإنسان الحياة لشخص لا يعرفه، نعم هو شرفٌ عظيم ٌ أن نعطي الحياة لشخص لا نعرفه...

هنا قمة الإنسانية، هنا روعة الإنسانية وتجردها من كل العلاقات المتعارف عليها

هنا الإنسانية التي يفتقر لها هذا الكوكب الذي دمرته الأطماع والحروب والأنانيات القاتلة.

 

 

Email