شطب القضية الفلسطينية هو الهدف

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما إن حط الرئيس الأميركي دونالد ترامب في دافوس في اليوم الأخير للمؤتمر السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي حتى التقى نتانياهو قبل أن يخرج إلى مؤتمره الصحفي ليملي على الفلسطينيين شروطه الجديدة -هي بالأحرى شروط نتانياهو - لإجبارهم على استئناف المفاوضات مع الإسرائيليين.

وبعد قراره المفاجئ باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وتعهد نائبه مايك بنس بنقل السفارة الأميركية إليها نهاية العام القادم، وقطعه 60 مليون دولار من المعونة الأميركية للفلسطينيين التي تبلغ 250مليون دولار سنويا بسبب رفضهم قرار القدس، وتخفيضه ميزانية الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» تمهيداً لإلغائها كما يطالب نتانياهو.

أكد ترامب -خلافاً لكل القرارات الدولية بما فيها اتفاقية أوسلو التي تبادل فيها الفلسطينيون والإسرائيليون الاعتراف-أن القدس باتت خارج نطاق التفاوض ولن يجري الحديث بشأنها مرة أخرى، ولا يحق للفلسطينيين المطالبة بها وأن قراره بشأنها هو قرار تاريخي.

وبلهجة استعراضية لا تخلو من غطرسة، هدد ترامب بوقف بقية المساعدات للفلسطينيين متباهياً بأنه أول رئيس أميركي يربط قضية المساعدات المالية بما يسميه «عملية السلام»!

لم تتوقف تهديدات ترامب عند هذا الحد بل تجاوزه إلى نقد عنيف للقيادة الفلسطينية لأنها لم تحترم نائبه مايك بنس ورفضت لقاءه عند زيارته للأراضي الفلسطينية. وليس سراً أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس كان قد أعلن في قمة اسطنبول الإسلامية أن الولايات المتحدة لم تعد وسيطاً نزيهاً في المفاوضات بشأن التسوية بين الفلسطينيين والجانب الإسرائيلي، داعياً إلى عودة القضية إلى هيئة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وأن السلطة أعلنت من قبل أنها لن تستقبل نائب ترامب.

هذا فضلاً عن أن بنس هو أحد مهندسي قرار ترامب بشأن القدس، وكان من اللافت للنظر أن يصف معلقون في الصحافة الإسرائيلية خطاب بنس بأنه الأكثر صهيونية في تاريخ الكنيست. وفي خطابه أمام الكنيست قال نائب الرئيس الأميركي «إن الولايات المتحدة تقف مع إسرائيل لأنها تؤمن بالوقوف مع الصواب ضد الخطأ، وبالوقوف مع الخير ضد الشر، وبالوقوف مع الحرية ضد الطغيان».

وفي سياق تمجيده لإسرائيل أبدى بنس احترامه لضحايا المحرقة النازية، قبل أن يتوجه لزيارة حائط المبكى، وكما أسرف في تزوير التاريخ لصالح إسرائيل، فقد مد تزويره لحاضرها حين وصف وجوده في الكنيست بأنه يقف أمام «ديمقراطية نابضة» لم يخجله أن يكون بين شروط نبضها وازدهارها طرد الأمن الإسرائيلي بالقوة والعنف الظاهر على كل فضائيات العالم، للنواب العرب أعضاء اللائحة المشتركة من القاعة، وتمزيقهم لافتة كتبوا عليها القدس عاصمة فلسطين!

معنى ما سبق هو أن الخطة الأميركية التي يقودها نتانياهو بمهارة هي ممارسة كل ألوان الضغوط على الفلسطينيين للقبول بالأمر الواقع، ومواصلة التفاوض مع إسرائيل من أجل التفاوض، والتغاضي عن سياسة الاستيطان التي تبلع الأرض والزرع، وإخراج القدس من أي حوار عن التسوية، والقبول بالمظلة الأميركية كراعية لسياسة إضاعة الوقت بالتفاوض من أجل التفاوض، والابتعاد عن أي مظلة تحميها قوانين دولية في الأمم المتحدة أو في خارجها، وإفشال كل المحاولات لإتمام المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، وإثارة المشاكل أمام السلطة الوطنية سعياً لتغيير قيادتها، وغيرها من الاجراءات التي تضع حل القضية الفلسطينية على جدول أعمال التاريخ.

يخطئ الفلسطينيون والعرب، إذا ما اعتبروا أن ذلك نهاية المطاف وأنه مخطط لا راد لقضائه، فالمطامع الإسرائيلية في مناخ الضعف الفلسطيني والعربي لا سقف لحدودها، كما أن خريطة التوازنات الدولية في طريقها للتغيير، وهاهم الأوروبيون يتجهون للتحلل من النفوذ الأميركي، وها هي المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تقول إنه «يجب علينا نحن الأوروبيين أن نأخذ مصيرنا بأيدينا، يجب أن نعلم أن علينا أن نناضل من أجل مستقبلنا بمفردنا نحن كأوروبيين».

فدور الولايات المتحدة يتراجع في منطقتنا، وتستطيع الدول العربية أن تدعم الطرف الفلسطيني بالتمسك بالثوابت الدولية لحل الدولتين وفقاً للقرار الأممي 242 والقدس الشرقية عاصمة لفلسطين، وتقديم الدعم المالي للسلطة وللأونروا لمواصلة دورها في تقديم الخدمات للاجئي الأردن وسوريا ولبنان والضفة الغربية، فضلاً عن السعي لبناء تحالف دولي جديد يدعم الحقوق العربية ويساندها في المحافل الدولية، لاسيما بعد أن رفع الرئيس الأميركي في دافوس شعار أميركا أولاً، داعياً زعماء العالم إلى تقديم مصالح دولهم على ما دونها!

 

Email