تسونامي الذكاء الاصطناعي

ت + ت - الحجم الطبيعي

طرحت سينما هوليوود عشرات الأفلام حول الذكاء الاصطناعي، وصُنِّفت تلك الأفلام في خانة أفلام الخيال العلمي، حيث قَدّمت تصوّراً لشكل العالم في المستقبل، وما يسوده من سيطرة للروبوتات والآلات الذكية، وما يكتنفه من تراجع للجهد الفكري والعضلي للإنسان، بفضل ما تحقّق من تطوّر كبير في مجال الذكاء الاصطناعي.

لكن، هل يبدو هذا الأمر اليوم من ضروب الخيال العلمي؟!.. لقد تحققت الصورة الهوليوودية على أرض الواقع، ليصبح ما كان حلماً وخيالاً أمراً ملموساً نشهده في مختلف مفاصل الحياة، وسيطرت الروبوتات على العديد من القطاعات التي كان الإنسان محرّكها الأساسي.

ففي مجال صناعة السيارات على سبيل المثال؛ لم يعد هناك حاجة لليد العاملة البشرية إلّا في أجزاء بسيطة من خطّ الإنتاج، وأصبحت الصناعة اليدوية الحرفية لبعض أجزاء السيارات ضرباً من الرفاهية، تستخدمها الشركات الكبرى لتقديم منتَج مخصّص حسب طلب الزبون الثري، ليكون شيئاً فريداً ومتميّزاً.

وفي مجال الطبّ؛ دخل الذكاء الاصطناعي ميدان العمليات الجراحية منذ أعوام، واستطاع النجاح في إجراء عمليات دقيقة كانت منوطة بكبار الجراحين في العالم، كما تطوّرت صناعة الأطراف الصناعية لتحاكي الأطراف الطبيعية في حركتها وتلقيها للأوامر وتنفيذها، ولم تعد مجرّد مسألة تجميلية.

وقد اتسعت مجالات الذكاء الاصطناعي لتشمل الطباعة ثلاثية الأبعاد والنظم الخبيرة ومعالجة اللغات الطبيعية وتمييز الأصوات وتمييز وتحليل الصور.

وكذلك التشخيص الطبي، وتداول الأسهم، والتحكم الآلي، والقانون، والاكتشافات العلمية، وألعاب الفيديو وألعاب الأطفال وإنترنت الأشياء، والسيارات ذاتية القيادة، والبيوت الذكية، وغيرها الكثير من الميادين التي اختار الخبراء تطويرها بالاعتماد على معطيات وأدوات الذكاء الاصطناعي، وبلغ الأمر مع بعضهم حدّ محاولة التفوّق على الإنسان، وليس محاكاة ذكائه فحسب.

وهذا ما حدث بالفعل حين تمكّن برنامج الذكاء الاصطناعي الجديد من غوغل (AlphaZero) من تعلّم كلّ ما يعرفه العالم عن لعبة الشطرنج خلال أربع ساعات فقط، واستطاع تحقيق الفوز على بطل العالم الحالي في شطرنج الحواسيب برنامج (Stockfish)، وهذا يعني أنّ البرنامج استطاع امتلاك قدرات خارقة تفوق قدرات البشر.

الأمر الذي دفع روّاد الذكاء الاصطناعي إلى البحث في إمكانية امتلاك الروبوتات والحواسيب لعقل خاص بها، يحاكي العقل البشري، وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك حين فكّر بتعليم الآلات كيفية التمييز بين الخطأ والصواب أو كيف تقدّر السيارات ذاتية القيادة حجم الخسائر البشرية عندما يعترضها موقف مروري ما فتختار الأقل ضرراً؟.. حتّى إنّ بعضهم الآخر فكّر في إمكانية منح الروبوتات القدرة على الشعور أيضاً.

لكن، هل يمكن أن يتحوّل الذكاء الاصطناعي الذي طوّر بهدف خدمة الإنسانية إلى نقمة عليها؟

لا أقصد بسؤالي هذا نقمة الذكاء الاصطناعي نفسه، وإنّما نقمة الناس والجهات المالكة لتقنيات الذكاء الاصطناعي، فقد أشيع أخيراً أن الولايات المتحدة الأميركية تعتزم إرسال جنود إلكترونيين إلى ساحات القتال، فإذا كان المقصود هو شنّ حرب إلكترونية على حواسيب العدو وشبكاته وبرامجه الإلكترونية لتعطيل سيطرته على أسلحته وقدرته على التحكم بها، فقد تحقق هذا الأمر بالفعل وتمّ تطبيقه على أرض الواقع.

لكن ماذا لو كان المقصود هو إرسال الروبوتات إلى ساحات المعارك ليكونوا جنوداً ميدانيين؟! هل هذا ممكن؟!

من وجهة نظري، هو أمر قادم لا محالة، إذ كثيراً ما سمعنا عن تجارب (الجندي الخارق) وتزويد المقاتلين بعقارات دوائية أو أدواتٍ مساعِدة تجعلهم أكثر قدرة على تحمّل ظروف المعارك والقتال لفترات طويلة، دون الحاجة إلى الراحة، لكن؛ ماذا لو استطاعوا صناعة جندي لا يحتاج أصلاً إلى الراحة؟

جنديٍّ قادرٍ على اتخاذ القرار السليم دون الشعور بالضغط النفسي بسبب أصوات وظروف المعركة، وقادرٍ على الصمود في ساحات القتال لأيامٍ وأسابيعَ دون الحاجة إلى النوم أو الطعام أو الراحة، جنديٍّ لا ينزف، ولا يتألّم، ولا يشكّل موتُهُ مأساةً اجتماعية! لست خبير ذكاء اصطناعي أو برمجيات تقنية.

ولكنني أعتقد أن تسونامي الذكاء الاصطناعي ستجتاح العالم بأكمله خلال سنوات معدودة، وستغيّر تقنيات الروبوتات وعلم الجينات والتقنيات الحديثة شكل العالم الجديد، وستعطيه وجهاً جديداً بدأت ملامحه بالظهور منذ اليوم.

لذلك فعلينا أن نلحق بركب العالم المتقدّم، وأن نتفوّق في استشراف المستقبل والاستعداد له والعمل بسرعة من أجل مواكبة تطوّراته والمساهمة في تشكيله، ونحن قادرون على ذلك إذا أخلصنا النية وأجدنا العمل.

سيتغير شكل العالم وسيتغير شكل الحروب وستتغير أساليب العمل، لذلك علينا أن نفكّر وندرس ونستعد ونشارك في صنع هذا العالم الجديد، فإذا لم تصنع نظامك بنفسك وتسيطر عليه، فسيستعبدك نظام إنسان آخر ويسيطر عليك.

وفي هذا الإطار أودّ أن أحيي الفكر القيادي الملهم والمستنير لقيادتنا ذات الرؤية الثاقبة؛ التي يسبق فكرُها زمننا وفكرنا، فقد بادرت هذه القيادة المتميزة إلى تعيين وزير للذكاء الاصطناعي ليتولّى مسؤولية إعداد الإمارات لعصر الذكاء الاصطناعي، وهذا يعني الاستعداد الكامل لبناء منظومة تستشرف المستقبل.

وتكون أبحاث وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في صميم تخصّصها وأولوياتها، لتكون الإمارات في مقدّمة الركب باتجاه مستقبل متطوّر ومتفرّد بإمكانياته العلمية والتكنولوجية.. فبورك قادتنا الميامين، وحفظهم الله، وحفظ الإمارات الغالية.

* المنسق العام لبرنامج دبي للأداء الحكومي المتميز

Email