استفتاء ثانٍ لبريكسيت خطأ كبير

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما عدت إلى لندن في صبيحة يوم 24 يونيو من العام الماضي، عقب الإعلان الرسمي عن نتائج استفتاء البريكسيت، شعرت أن البريطانيين بدأوا أخيراً استيعاب هذه النتائج، واتخذوا هذا القرار التاريخي والمهم المتعلق بمغادرة الاتحاد الأوروبي.

وكان بمثابة قرار جيل بأكمله، وجاء بعد 41 عاماً من الفرصة الأخيرة التي منحت للبريطانيين لتسجيل آرائهم في هذا المشروع الأوروبي الذي نشأ عام 1975.

وبالطبع يتعين أن يزيد عمر المرء الآن على 60 عاماً من الذين تمكنوا من الإدلاء بأصواتهم في أول استفتاء يتعلق بعلاقتنا مع أوروبا، وهذا بمثابة تذكار بأن التصويت الذي جرى في 23 يونيو 2016، كان في الحقيقة الاستفتاء الثاني الحقيقي.

كما أن القرار بالمغادرة ليس من النمط الذي استخف به الشعب البريطاني. ومع تصويت العديد من البريطانيين للمرة الأولى في حياته، فإن حملة التصويت بالمغادرة أمنت أكبر تفويض على الإطلاق في تاريخ الانتخابات البريطانية، حيث أيد نحو 17.5 مليون نسمة اقتراحنا باستعادة السيطرة على قوانيننا وأموالنا وحدودنا وسياستنا التجارية.

ولكن قبل أن تخرج بريطانيا من باب بروكسل خلسة، عاد زومبي حملة البقاء في الاتحاد الأوروبي طالباً رمية أخيرة في الزهرة الانتخابية. وفي المقايضة الأخيرة لبريكسيت طالب البريطانيون بإجراء استفتاء ثانٍ، أو كما وصفها الليبراليون الديمقراطيون الذين يدعون الورع بـ«أول استفتاء على الحقائق الواقعة».

لنكن واضحين، مهما كانت دوافع هؤلاء رنانة، فليست أكثر من مؤامرة رديئة لعكس نتائج بريكسيت، وهو قرار الأغلبية لشعبي بريطانيا وإيرلندا الشمالية في تصويت نزيه وحر.

ومع تقدمنا الآن نحو المرحلة الثانية المهمة من مفاوضات بريكسيت، فإن الوعد بإجراء استفتاء ثانٍ في نهاية هذه العملية سوف يحفز الاتحاد الأوروبي على منحنا صفقة عقابية قدر الإمكان، إذا كان خيار العودة إلى الوضع الراهن موضوعاً على طاولة البحث. وبالنظر إلى أننا نعرف مدى النواح والخوف الذي تشعر به بروكسل من مغادرة ثاني أكبر مساهم فيها، فإن ذلك يناقض الدوافع الحقيقية للذين يطالبون بإجراء استفتاء ثانٍ.

ولكن في الأساس، فإن الاستفتاء لا هو تشاوري ولا استشاري. تذكروا كيف أنفقت الحكومة البريطانية أكثر من 9 ملايين جنيه استرليني من أموالنا على المنشورات ومواقع الإنترنت لتخبرنا لماذا علينا أن نصوت بالبقاء. وفي خضم هذه الدعاية كان هناك خط مهم: «هذا هو قراركم، ستطبق الحكومة ما تقررونه». وبمعنى آخر عليكم بتحديد الوقت الذي تتخذون فيه قراركم.

والأشهر التي أمضيناها مطالبين بحرية التفاوض بشأن صفقاتنا التجارية على امتداد العالم هي أكاديمية محضة، فنحن لن نغادر الاتحاد الجمركي، نظراً لأن عضويتنا فيه تمنعنا من ذلك بصورة صريحة.

وهناك في الحقيقة سخرية واضحة وكبيرة من جانب المطالبين بالبقاء في بريكسيت، تفترض بأن عجزنا عن فهم طبيعة الاقتراع الذي أقدمنا عليه في استفتاء السنة الماضية، يضاهي الأداة نفسها المطلوبة منا لتغيير هذا القرار.

وفي السابق، شعر الاتحاد الأوروبي أنه من المناسب بأن يصدر أوامره للدول الأخرى التي اقترعت بصورة معاكسة في الاستفتاءات السابقة، كما حدث مع الدنمارك بشأن رفضها لاتفاقية ماستريخت، ثم مع إيرلندا التي صوتت برفض معاهدتي نيس ولشبونة.

ولكن مع اتخاذ البريطانيين قرارهم بمغادرة الاتحاد الأوروبي، فإنهم لن يجبرون على تغيير رأيهم من خلال نخبة بروكسل التي أصبح واضحاً أن طموحها الحقيقي يتجلى بإقامة ولايات متحدة أوروبية، وهي خطوة تفترض شخصياً أن هذه النخبة لم تتعلم شيئاً من العدوانية المتزايدة للتكامل الأوروبي الذي ظهر في صناديق الاقتراع في أرجاء الاتحاد الأوروبي في السنتين الأخيرتين.

 

 

Email