سؤال ما العمل؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

يواجه سؤال ما العمل البشر في كل مراحل حياتهم وفي كل صورهم الاجتماعية، فهو سؤال الأمم والدول والجماعات، بل والأفراد.

لكن سؤال ما العمل عندما يواجه شعباً أو أمة أو دولة تطرح على نفسها مسألة مصيرية ذات علاقة بالوجود كله، يصبح سؤالاً صعباً، ويحتاج إلى اشتراك عقول النخب كلها من النخب السياسية إلى النخب الاقتصادية إلى النخب الفكرية في إيجاد الأجوبة الناجعة عليه.

وعندي بأن العرب، شعوباً ودولاً، تقف الآن وجهاً لوجه أمام سؤال ما العمل؟

فعالم العرب يعج بالمشكلات الداخلية في كثير من مجتمعاتهم، ومهددة بالأطماع الخارجية من دول عالمية وإقليمية وفضلاً عن ذلك فإن التحولات تنتظم في العلاقات الدولية.

ليس في نيتي الآن الإجابة عن سؤال ما العمل، وليس بمقدوري أن أجيب عن هذا السؤال بمقال أو بكتاب، بل سأطرح شروط الإجابة عن هذا السؤال، الشروط التي بدونها لا يستطيع أي عقل أن يجيب عنه.

لا يمكن تحديد ما العمل الآن إلا انطلاقاً من معرفة عدة أمور:

1- فهم حركة الواقع، عربياً وإقليمياً وعالمياً وفي ضوئها تُطرح الأهداف الواقعية، التي يُسعى إليها، وتحديد الأدوات والوسائل الجديرة بتحقيق هذه الأهداف، تأسيساً على فهم الواقع موضوعياً.

2- معرفة القوى الفاعلة الداخلة في الحدث سواء كانت القوى العدوانية الداخلية أو القوى العدوانية الخارجية، والقوى الفاعلة الإيجابية الداخلية والخارجية.

3- معرفة الإمكانيات الحقيقية للفعل، أقول هذا بعيداً عن الخطاب المنطلق من الانفعال الغاضب، والهوى والنزعة الرغائبية.

إن البحث في كل عنصر من تلك العناصر على غاية كبيرة من الأهمية إذا ما أريد للعرب أن يكونوا فاعلين في رسم مصيرهم المأمول.

فلو أخذنا عنصراً واحداً فقط، وهو عنصر الأهداف العربية بعامة فسنجدها محصورة بجملة قضايا أهمها الحوكمة الرشيدة بحيث يزول التناقض بين المجتمع والسلطة اقتصادياً واجتماعياً، وتحقيق حظ من التنمية الاقتصادية والمعرفية بما يضمن مستوىً من نمط الحياة الكريمة، والحفاظ على أمن العرب وسيادتهم على أوطانهم.

فإذا كانت هذه هي الأهداف الأساسية للعرب، وهي هكذا بالضرورة، فإن هذه الأهداف تطرح علينا السؤال: ما هذه القوى والعوامل النابذة لهذه الأهداف والعوائق التي تقف في وجهها؟

وما هي القوى والعناصر الضرورية التي نحتاجها لتحقيق هذه الأهداف؟ إن هذه الأهداف الكبرى لا تتحقق إلا بتحقيق أهداف رديفة لها، منها سيادة القانون والحق، وتمكين المرأة والتقدم بعملية التعليم الشاملة، وكل هذا سيصب في الأمر الأهم ألا وهو تمكين الذات الوطنية المستقلة، وإشراك المجتمع كله في عملية تحقيق الأهداف الكبرى التي تحدثنا عنها.

فعقل النخبة الإستراتيجي يجب أن ينتقل إلى عقل يفكر في المراحل أيضاً التي تفضي إلى ما هو استراتيجي. وعندها يكون سؤال ما العمل في تحديد بند الأهداف قد تأسست قواعد الأجوبة عنه من حيث هو سؤال لا معنى له دون تحديد الأهداف وقواعد الإجابة عنها.

لكن عقل النخبة الساعي لتحديد الأهداف الأساسية والأهداف المرتبطة بتحقيق هذه الأهداف الأساسية، لا يستطيع أن يتجاوز ما ينطوي عليه الواقع من إمكانيات موضوعية وبشرية، وبالتالي هناك ترابط شديد بين الواقع والأهداف، بل إن صياغة الأهداف الواقعية غير ممكنة دون الإحاطة بالواقع نفسه من كل جوانبه السكانية والاقتصادية والأخلاقية بنظرة واقعية موضوعية.

وبالمناسبة ففي معرض العودة إلى سؤال ما العمل، يجب التأكيد بأن هذا السؤال ليس مؤقتاً أو مرحلياً أو طارئاً، إنه سؤال دائم مطروح على كل المجتمعات والدول والشعوب دون استثناء كما أشرنا. ولكن النخبة لا تستطيع أن تجيب عن هذا السؤال إلا إذا تمتعت بشرطين: قوة أخلاقية وضمير حي من جهة وقوة معرفية -علمية من جهة ثانية. إن وعياً كهذا هو ثمرة الدرس القاسي الذي علمنا إياه تاريخنا المعاصر.

 

 

Email