ناصر العروبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

«أيها الإخوة، إننا نسعى دائماً ونعمل دائماً من أجل مبدأ الحرية في جميع أنحاء الوطن العربي، وحينما أعلنت بريطانيا أنها ستُجلي قواتها من مناطق الخليج العربي، وبهذا تتحرر جميع أراضي الأمة العربية، كُلنا نشعر أن الأمة العربية قد حققت هدفاً كبيراً من أهدافها، وكُلنا نشعر أن الأمة العربية التي كافحت وناضلت طويلاً، تستطيع أن تقول الآن إنها تجني ثمار كفاحها ونضالها، وتجني ثمار الدم الذي بذله أبناؤها، ولكن نسمع في هذه الأيام أن الحكومة الجديدة في بريطانيا، تُريد أن تبقي قواعد عسكرية إنجليزية في منطقة الخليج العربي، وبهذا نشعر جميعاً في كل أنحاء الأمة العربية، أن بريطانيا تقفُ ضد تحرير الأمة العربية من الاحتلال الذي استمر سنوات طويلة في بلاد متعددة».

الكلام السابق، هو جزء من خطاب الرئيس جمال عبد الناصر بتاريخ 23/‏‏‏7/‏‏‏1970، أثناء حماسه وتأكيده لدعم استقلال دول الخليج العربي. ففي ذكرى مرور مئة عام على ميلاده، فلا تزال هذه الكلمات تترك بصمة قوية وعميقة داخل النفوس تجاه عبد الناصر، الذي أدرك جيداً أهمية محيطه العربي، وهو ما عبر عنه الدكتور جمال حمدان بقوله: «العزلة أو الانطلاق في السياسة الخارجية المصرية، إنما تعني بالدرجة الأولى، العزلة عن العالم العربي أو الانطلاق إليه، فبدون العالم العربي، تعيش السياسة المصرية في عزلة حقيقية، حتى ولو بدت شكلياً ذات سياسة خارجية، أو حتى ذات أبعاد عالمية، وبدون العالم العربي، لا تعد سياسة مصر الخارجية عالمية، مهما انطلقت دولياً في أبعد العلاقات الخارجية مع الغرب أو الشرق».

إذن، استطاع ناصر أن يؤكد شرعية العلاقة المصرية بمحيطها العربي، ونجح في إقناع من حوله بهذا المفهوم، واستكمل العمل فيه كمشروع يجعل من عروبته وطنا لجميع المذاهب والأعراق، ووسط هذه الحالة قادت مصر حركات التحرر في آسيا وأفريقيا إلى أميركا الجنوبية.

وانطلقت بوادر الأمل والتحرر، فرأيناها في الجزائر واليمن والعراق وسوريا ولبنان، وأيضاً في فلسطين. إذ تظل مقولة ناصر راسخة في الوجدان العربي: «ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة».

لا شك أن فهم وإدراك عبد الناصر للجغرافيا السياسية، جعله بين أبرز قادة الوطن العربي، ومخلصاً لفكرته. وهنا، نتذكر حوارا دار بين عبد الناصر وصحافي أجنبي، وسأله الصحافي، سيادة الرئيس:

ما السبب الذي تعزو إليه تأثير قيادتك في العالم العربي؟!

فأجاب عبد الناصر: «إنني لا أقود العالم العربي. لست قائداً لهذا العالم العربي، ولكنى مجرد تعبير عنه في ظرف معين وفي زمان معين، ودوري فيه بمقدار تعبيري عنه».

رحل عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970، لكن ظلت أفكاره حيةَ ومستمرة ومتواصلة.. ظلت صورته محفورة في ذاكرة حتى الشباب الذين لم يعيشوا أيامه، يرفعون لافتات، وصوراً باسمه، صار فكرة مستقبلية تتوارثها الأجيال، وقف بجانب الفقراء وحررهم من الإقطاع والرأسمالية، نقل السياسة إلى الشارع، ونقل الشارع إلى السياسة، صنع حالة تلاحم بين المواطن والعالم، درس أهدافه جيداً، فانطلق من ثلاث دوائر ثابته ومحددة.. الدائرة الأولى «العالم العربي»، والدائرة الثانية «القارة الأفريقية»، والدائرة الثالثة الأوسع «العالم الإسلامي».

الآن، وبعد مرور مئة عام على ميلاد الزعيم جمال عبد الناصر يوم 15 يناير 1918، نستطيع القول إن صورته لم تهتز في وجدان من أحبوه واقتنعوا به وناصروه.. بل يعتبرونه فكرة خالدة، تدخل مئوية جديدة.. بنفس الوهج.

 

 

Email