هزيمة خطاب الكراهية الإلكتروني

ت + ت - الحجم الطبيعي

لاشك أن خطاب الكراهية المنتشر على صفحات الفضاء الإلكتروني يشكل معضلة تواجه دول العالم، لأن هذا الخطاب يخلق متطرفين يقومون بأعمال إرهابية.

ولعل تنظيم داعش والتنظيمات اليمينية المتطرفة المثال الأبرز في هذا الخصوص. إن الصعوبة في مراقبة وتقييد هذا الفضاء يجعل المهمة صعبة في الحد من خطر الكراهية الإلكترونية.

تسعى دول عدة لحل تلك المعضلة، ومن تلك الدول ألمانيا. فقد أقرت قانوناً جديداً العام الماضي ودخل حيز التنفيذ هذا العام يحظر خطاب الكراهية الإلكتروني. يتطلب القانون الجديد الذي دخل حيز التنفيذ مع بداية العام الجديد من شركات التكنولوجيا الكبرى مثل فيسبوك وتويتر، بإزالة المواد غير القانونية خلال 24 ساعة من وقت إبلاغها بالواقعة،.

وإلا قد تتعرض لغرامة قد تصل إلى 50 مليون يورو. تجدر الإشارة إلى أن القانون تم تمريره العام الماضي بعد تفشي التعليقات العنصرية والأخبار الكاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وكيف أن تلك الأحداث أثرت في الانتخابات الألمانية في سبتمبر الماضي. يضاف إلى ذلك الإحباطات التي لازمت عدم قيام شركات التواصل الاجتماعي بالدور المنوط بها في مواجهة خطابات الكراهية والرسائل المفبركة.

قال وزير العدل الألماني إن قوانين الإعلام تجبر شركات التكنولوجيا على إزالة المحتوى غير القانوني، ولكن تلك الشركات فشلت في الالتزام بذلك. ومن هنا فإنه يرى أن القانون الجديد يضمن تطبيق القانون الحالي. وأضاف أن كل من يروج للمحتوى غير القانوني يجب أن يحاكم.

ولكن المنتقدين يقولون إن القانون الجديد هو رقابة على وسائل التواصل الاجتماعي. ويشير المعارضون للقانون إلى أنه يعطي شركات التواصل الاجتماعي سلطة تحديد ما هو غير قانوني، وهو ليس دورها ولكنه دور المحاكم والقضاء.

يضاف إلى ذلك المخاوف المتعلقة بقيام تلك الشركات بإزالة كل المواد التي قد تكون غير واضحة بصورة كاملة، لأنها تحمل محتوى كراهية، بمعنى عدم القدرة على التدقيق في ملايين الرسائل على الفضاء الإلكتروني. ومن ثم فإن الغرامة قد تدفع تلك الشركات إتباع مبدأ الإزالة وليس التدقيق في الكم الهائل من الرسائل على الإنترنت. وبهذا يرى المنتقدون أنه قد يؤثر في حرية التعبير بالسلب.

في هذا السياق، قال بيرنرد روهيلدر رئيس شركة بيتكوم المتخصصة في مجال التجارة الرقمية: «تم خصخصة إدارة العدالة من خلال تسليمها للشركات الأميركية». وأكد زعيم حزب البديل من أجل ألمانيا أن القانون يقتل حرية التعبير. من جانب آخر ترى شركات التواصل الاجتماعي أن القانون غير ضروري لأن تلك الشركات تقوم بما يجب عليها القيام به.

على سبيل المثال أزالت شركة فيسبوك 3500 محتوي يحض على الكراهية أسبوعياً في ألمانيا، وتشغل 1200 موظف لمراقبة المحتوى الذي يحمل خطاب كراهية. وأكدت منظمة مراسلون بلا حدود أن القانون الألماني ألهم روسيا لعمل قانون مماثل.

وبالتالي ترى المنظمة إذا كانت الدول الديمقراطية تستخدم قوانين تفرض غرامات على شركات التكنولوجيا إذا لم تتم إزالة المواد غير القانونية ومنها خطاب الكراهية، فلماذا لا تستخدم النظم القمعية مثل تلك القوانين.

أعتقد أن وجهات النظر المؤيدة والمعارضة لفرض حظر قانوني على خطابات الكراهية لها أسانيدها. ولكن المشكلة أكبر من تلك القوانين للعديد من الأسباب.

أول تلك الأسباب أنه من المستحيل تقييد الفضاء الإلكتروني، ولكن يجب خلق خطابات مضادة، وتفعيل برنامج غوغل الذي يحول المتصفح الإلكتروني من الصفحات التي تحض على الكراهية إلى صفحات تحث على التسامح والتعايش، مع إزالة محتوى خطاب الكراهية الواضح. يضاف إلى ذلك أهمية التعامل مع وعاظ الكراهية في المؤسسات المختلفة خارج الفضاء الإلكتروني.

يجب أيضاً رفع وعي المواطنين بضرورة تحري دقة المعلومات المتداولة على الإنترنت قبل إعادة نشرها. هناك أيضاً دور كبير على المؤسسات التعليمية والأسرية والدينية والإعلامية في خلق بيئة تحض على التسامح والتعايش، وطاردة للكراهية والاستبعاد. إن الحاجة ملحة لعمل توازن بين الحفاظ على مكتسبات الديمقراطية وركائزها.

لاسيما حرية التعبير من جانب، والحفاظ على أمن وسلامة المجتمع من جانب آخر. لا يمكن التضحية بأي منهما، ويجب التوصل لصيغة وسطية تحفظ وجودهما معاً. يجب تشجيع الجهود التي تقوم بها شركات التكنولوجيا الكبرى مثل غوغل وفيسبوك وتويتر في إزالة محتوى الكراهية والعنف من أجل هزيمته والقضاء عليه.

إن هزيمة خطاب الكراهية تتحقق عندما تتضافر جهود الحكومات وشركات التكنولوجيا ومؤسسات المجتمع المدني والأفراد أنفسهم. إن المسؤولية مشتركة، وهناك حاجة ملحة لوضع استراتيجية في كل دولة وعلى مستوى المجتمع الدولي في الأمم المتحدة لخلق تلك الشراكة من أجل هزيمة خطاب الكراهية وغيرها من مواد العنف المنتشرة على الفضاء الإلكتروني.

 

Email