رسائل المجتمع الدولي إلى فلسطين

ت + ت - الحجم الطبيعي

انتصر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقراره نقل سفارة الولايات المتحدة الأميركية إلى القدس، لمبادئ القوة العارية والسيطرة الكولونيالية وقانون الغلبة والتفوق وتكريس المظالم الناجمة من رحم الإمبريالية والاستعمار، في مواجهة قيم ومبادئ الحق والعدل والإنصاف وسيادة القانون الدولي والسلم والأمن الدوليين؛ تلك القيم والمبادئ التي استقر عليها العرف وارتضتها الجماعة الدولية «كنموذج استرشادي» للعمل بها والاحتكام إليها وقت الحاجة وعند الضرورة.

لم يأبه المجتمع الدولي لتهديدات ترامب ومندوبته في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، بعقاب الدول التي صوتت ضد قراره في مجلس الأمن والجمعية العامة.

حيث إن الولايات المتحدة الأميركية تعيد بهذا التهديد إنتاج مواقفها السابقة لدى التصويت على قرار الجمعية العامة رقم 181 لعام 1947 الذي أجازته بتصويت 33 صوتاً لصالح القرار واعتراض 13 وامتناع 10 دول عن التصويت،.

ومارست الولايات المتحدة آنذاك كافة الضغوط الممكنة بوقف المساعدات الأميركية، إلى حد أن بعض الدول كالفلبين غيرت موقفها المعلن من التصويت ضد القرار، إلى التصويت لصالحه، وتعيين مندوب جديد لها بدلاً من مندوبها السابق الذي أعلن معارضته للقرار.

رسائل المجتمع الدولي والعالم إلى فلسطين والشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية؛ تبدو غاية في الأهمية وتفوق بكثير مضمونها الرمزي، تلك الرسائل التي تمثلت في الرفض الجماعي لمجلس الأمن (14 صوتاً) اضطرت الولايات المتحدة لاستخدام الفيتو لإحباط صدور القرار، وكذلك رفض الجمعية العامة للأمم المتحدة لقرار ترامب بأغلبية الثلثين.

نحن في العالم العربي والإسلامي وفلسطين بحاجة إلى قراءة محتوى هذه الرسائل بدقة وإمعان، لعل أول خطوة في مثل هذه القراءة تتمثل في استيعاب حقيقة أن القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي تجاوزت مربع التهميش والغياب الذي عانت منه لسنوات طويلة، في أجندة وأولويات المجتمع الدولي؛ لأسباب إقليمية ودولية وعربية مختلفة.

الآن تتصدر هذه القضية أولويات المجتمع الدولي وحصلت على اهتمام دولي وعالمي يستحق التفكير والاجتهاد حول كيفية الدفع بهذا الزخم الدولي نحو صيغ وأطر أكثر فاعلية وأكبر تأثيراً؛ مثل الحماية الدولية للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال أو الوصاية الدولية على الأراضي الفلسطينية تمهيداً لإقامة الدولة الفلسطينية أو ما دون ذلك من الصيغ والأطر القانونية في مواجهة المؤسسة الاستعمارية الإسرائيلية.

أما الخطوة الأهم في مثل هذه القراءة فتتمثل في أن المجتمع الدولي من خلال هذا الرفض، يقول للعرب والفلسطينيين على نحو خاص، إننا نوفر للقضية الفلسطينية ظهيراً دولياً وعالمياً ذا طابع قانوني ورمزي، أما مسألة تحويل هذه القرارات والمحتوى الرمزي لها إلى واقع ملموس ذي قوة تنفيذية وترجمته إلى إجراءات مادية واقعية فهي ترتبط بقدرة الشعب الفلسطيني والدول العربية على تغيير الواقع على الأرض؛ أي مقاومة الاحتلال بأساليب سلمية واحتجاجية طويلة المدى ولكنها فعالة، بشرط تناسبها مع قدرات الشعب الفلسطيني.

وذلك يعني في الحالة الفلسطينية ألا ينعم الاحتلال بالهدوء والسكينة والطمأنينة، وأن يدفع ثمن بقائه وسيطرته على مقدرات الشعب بمختلف الطرق والاحتجاجات وأشكال العصيان المدني والمقاطعة،.

ولن يتأتى ذلك إلا من خلال صياغة استراتيجية جديدة تعيد للمشروع الوطني الفلسطيني طابعه الوطني، وكفاحه المشروع ضد الاحتلال، وتحجيم الاختلافات والتباينات الأيديولوجية، وتضع مستقبل الكفاح الفلسطيني وتحقيق التطلعات الفلسطينية في صدارة المشهد.

إن القرارات والمبادئ والقانون الدولي تحظى بالقابلية لأن تكون مجرد مبادئ ومثل وقيم عليا مستهدفة نظرياً، وتبقى في أطر الأوراق والمحفوظات والنصوص، ولكن أيضاً تحظى بالقابلية للتحول إلى واقع ملموس ومعيش، والتحول إلى خطوات واقعية تحفز من شارك في إقرارها على وضعها موقع التطبيق.

ولا شك أن ذلك يرتهن بادئ ذي بدء بأصحاب الحق والمصلحة في هذه القرارات والمبادئ، والذين يتعين عليهم مساعدة أنفسهم وحشد مواردهم وإمكاناتهم من أجل هذا الهدف قبل أن يعولوا على مساعدة الآخرين.

 

Email