أقباط مصر ورسائل الوحدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

نعم، كان عام 2017 الأسوأ بالنسبة لأقباط مصر الذين استهدفهم الإرهاب عن قصد بهدف تمزيق وحدة البلاد، وتفتيت قدرتها على الصمود، وإكراه أقباط مصر على أن يستشعروا أنفسهم مجرد أقلية دينية مضطهدة، تعيش غريبة في وطنها وليسوا مواطنين لهم جميع حقوق المواطنة، يعيشون في كنف دولة تليدة مسؤولة عن حمايتهم.

ومجتمع متحضر يعرف منذ الأزل أن الدين لله والوطن للجميع، وأن الأقباط والمصريين كانوا على طول التاريخ يداً واحدة، تنشد وطناً قوياً مستقلاً يربطه العدل والمحبة والمصير المشترك.

ويكاد يكون جزءاً خالداً لا يمحى من الذاكرة المصرية صورة القمص جرجيوس في صحن الأزهر الشريف يعانق أشقاءه المسلمين، ويقف معهم صيحة واحدة عاشت وحدة الهلال مع الصليب، ومشهد الرئيس السادات في بزته العسكرية في البرلمان المصري عقب حرب أكتوبر 1973، وهو ينادي على قائد الجيش الثالث الميداني الفريق فؤاد عزيز غالي يسأله عن أحوال قواته تحت الحصار.

وصوت البابا شنودة بابا الأقباط الراحل يرحمه الله وهو يقول « مصر وطن يعيش فينا وليس مجرد وطن نعيش فيه»، وصورة البابا تواضروس بابا الأقباط الحالي بعد فجيعة تفجير الكاتدرائية.

وهو يؤكد « وطن بلا كنائس أبقى وأفضل من كنائس بلا وطن «، إضافة إلى عشرات الصور التي تزدحم بها ذاكرتنا منذ أن كنا صغاراً نشهد أسرنا القبطية والمسلمة تبادل أطباق الحلوى والطعام في المواسم والأعياد.

في أحداث 2017 رغم حالة الاستنفار الأمني التي أحاطت بأكثر من 3 آلاف كنيسة وضعت تحت الحماية المشددة في كل أرجاء مصر وقراها، احتشد أقباط ليلة عيد الميلاد المجيد،.

يرفعون صلواتهم إلى الرب في علاه وينشدون تراتيلهم يدعون لمصر بالأمن والسلام والمحبة، ويغنون على دقات الأجراس مبارك شعبي العزيز في مصر، تمكن المجرمون القتلة من أن ينفذوا إلى بضع كنائس أشهرها في طنطا وكاتدرائية العباسية بوسائل خسيسة كي يفسدوا عرس المسيح عليه السلام.

وسقط في هذه الأحداث 170 قتيلاً مضرجين بدمائهم، معظمهم من النساء والأطفال، لكن المصريين أبوا إلا أن يصنعوا من هذه الكارثة مشهداً وطنياً أفسد أهداف القتلة، عندما تقدم آلاف المتطوعين يشقون الصفوف لإنقاذ الجرحى، ويهرعون إلى أماكن التبرع بالدم، ويحملون الأطفال الجرحى إلى المستشفيات ويتكاتفون مسلمين وأقباطاً في محبة يحاولون قدر الاستطاعة تخفيف عبء الكارثة.

وقبل أيام قليلة وفي نهاية العام ذاته وقع حادث الهجوم على كنيسة حلوان الغادر بينما يستعد قرابة 250 ألف ضابط وجندي لحماية كنائس مصر في جميع أنحاء البلاد في إطار خطة شاملة تستهدف القضاء على هذه الهجمات، ومنع الإرهابيين من الوصول إلى الكنائس لإفساد أعياد الميلاد، التي أصبحت واحدة من أهم أهداف الجماعات الإرهابية بهدف أن تتحول أعياد الفرح إلى حزن كئيب.

لقد كنت أتمنى أن تتسع هذه الفرصة لآلاف من الشباب المصري الذي ينشط في هذه الأيام لتشجيع حملات الانتخابات الرئاسية كي يشاركوا في حماية الكنائس المصرية ليلة الاحتفال بعيد الميلاد المجيد.

وأظن أن من واجب منظمة الأسرة المصرية التي يرعاها الأزهر الشريف والكنيسة المصرية أن تحشد شبابها ودعاتها للمشاركة في حماية كنائس مصر في هذه الليلة الكبيرة، وحبذا لو أسهم كل جار مسلم في حماية كنيسة الحي ليصبح عيد الميلاد القادم محمياً بشباب المصريين يقطعون على جماعات الإرهاب أهدافهم الشريرة.

وإذا كـانـت كنائس مصر قـد شهدت على امتداد العام الماضي 70 عملية عدوان وهجوماً منفصلاً، فالأمل كبير في حصار هذه الجماعات ومنعها من الوصول إلى أهدافها، بحيث يمتنع تماماً هذا العدوان، ويجرى اجتثاث جذوره،.

ولا أظن أن أحداً يستطيع أن ينكر أن خيوط التآمر على أقباط مصر ومحاولات إظهارهم بمظهر الأقلية المضطهدة تمتد إلى قوى الخارج التي تستهدف أيضاً تشويه صورة الحكم وإظهاره بأنه غير قادر على حماية جزء من مواطنيه.

والمؤسف أن تكون الإدارة الأميركية ضالعة في جانب مهم من هذا المخطط العلني الذي يدعو إلى تخصيص جانب من المعونات الأميركية لحماية الأقليات المسيحية في مصر مع علم إدارة الرئيس ترامب بأن أقباط مصر ليسوا أقلية دينية مضطهدة.

وإنما هم جزء أصيل من نسيج مصر الوطني قديم قدم مصر إن لم يكونوا الأقدم تاريخاً. لكن الأهم من ذلك أن يعرف أقباط مصر أنهم مستهدفون ليس لمجرد كونهم أقباطاً، ولكن لأن الهدف من الاستهداف تمزيق وحدة الوطن وقسمته وإشعار الأقباط بأن الوطن غير قادر على حمايتهم، ولا مكان لهم فيه، وأن الحل الأمثل هو الهجرة أو الهرب !

وإذا كان المطلوب من أقباط مصر المزيد من الصمود لإفشال هذا المخطط الواضح فإن المطلوب من كل المصريين أن يعضوا على وحدتهم بالنواجذ، وأن يضعوا أقباط مصر في حدقات عيونهم، وأن يرعوا كنائسهم كما يرعون مساجدهم، فجميعها بيوت الله، وأن يعرفوا أن أجدادهم كانوا الأشد صواباً، وهم يؤكدون أن الدين لله وحده، أما الوطن فهو حق الجميع.

 

Email