الإرهاب في قبضة العام الجديد

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل ساعات قليلة أطلق التاريخ صافرة وداع عام، واستقبال عام جديد. عام صاخب جداً 2018 ورث تركة ثقيلة من سلفه عام ٢٠١٧ تحديات كبيرة. مؤامرات. صراعات خفية وأخرى معلنة. قوى تسعى لبسط نفوذها. وقوى أخرى تتراجع من المشهد. يناير العام الجديد يقص شريط عالم جديد البقاء فيه للأقوى، عام كاشف وحاسم، ملئ بالتحديات والأحداث الساخنة والاستحقاقات الفاصلة.

أولى التحديات هي مكافحة الإرهاب في مصر وفي المنطقة ذلك السلاح الذي يستخدم للتفتيت والتقسيم والتأزيم، الإرهاب الممول والمدعوم من دويلات مارقة أزعجها الاستقرار في مصر، دويلات صغيرة تورطت ولاتزال تستخدم إعلامها وأموالها وتشتري مليشيات من أجل القتل والعنف.

حادث كنيسة مارمينا بمنطقة حلوان جنوب القاهرة لا يمكن فصله عن السيناريو الذي يحاك لمصر والمنطقة منذ سنوات مضت وحتى الآن.

من المؤكد أن الحادث له دلالات مهمة في هذا التوقيت منها استغلال التواجد الجماهيري للأخوة الأقباط أثناء أداء الصلاة، وإفساد فرحتهم بالأعياد المجيدة، وبث الفتنة وتفجير الصراع الطائفي بين المصريين ومحاولة العزف على هوى المنظمات الدولية التي تدعي باطلاً بأن الأقباط غير آمنين داخل مصر وهو حق يراد به باطل بدليل يوجد مسلمون بين ضحايا الحادث. لم ينج الإرهاب هذه المرة في الإفلات من يقظة رجال الشرطة المصرية وتم الإمساك بالإرهابي والتعرف علي هويته التي تؤكد أنه محترف ويقف خلفه تنظيم يخطط ويدعم ويمول.

كان متوقعاً من أهل الشر استهلال العام الجديد بمحاولات إرهابية هنا أو هناك. فشلت هذه المرة مآرب القوى الظلامية في تحقيق هدفها لكن الحادثة أماطت اللثام من خلال آليات وأدوات التنفيذ عن حالة الضعف الشديد لإمكانياتهم وأن العناصر الإرهابية في الوادي وصلت إلى درجة واهنة لاسيما أن الحادثة تقع في منطقة حلوان أحد المعاقل الرئيسية للجماعات والتنظيمات الإرهابية.

المعركة مستمرة، تكليفات الرئيس عبدالفتاح السيسي جاءت واضحة أثناء كلمته في افتتاح المشروعات العملاقة بقناة السويس عندما طالب بمواجهة الإرهاب بكل عنف مكرراً ومشدداً «نعم بكل عنف»، فالقيادة السياسية تدرك جيداً خطر ومخاطر الإرهاب على مصر والمنطقة والعالم والرئيس السيسي أول من صك مصطلح (أن مكافحة الإرهاب حق من حقوق الإنسان).

حادث كنيسة مارمينا وإفشال عمليته بأقل الخسائر في ضوء ظروف المناسبة الحاشدة بالأخوة الأقباط احتفالاً بأعيادهم تؤكد أن التنظيمات الإرهابية في قبضة العام الجديد وأن محاولاتهم الخسيسة لن تزيد المصريين وأقباط مصر إلا إصراراً وقوة وعزيمة وتماسكاً فها هي كلمات البابا تواضروس، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية جاءت بعد حادث كنيسة حلوان قاطعة عندما قال: «كل التعزية لأسر الشهداء وللشرطة والكنيسة ولمصر التي ستظل قوية وقادرة على دحر قوى الظلام والعنف التي بلا ضمير وبلا إحساس.

نصلي من أجل الشهداء وكل المصابين ليمد لهم الله يد الشفاء والصحة وليحفظ الله لنا بلادنا وشعبنا الأصيل«والبابا تواضروس قال من قبل رداً على القوى الظلامية والذين يحاولون العبث في النسيج المصري:»وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن).

تختلف أهداف القوى الظلامية لكن الاستراتيجية واحدة. تتباين الأيادي المنفذة لكن الفكرة مشتركة هي مخطط التمزيق والإرباك. ولأن هذه الجماعات الظلامية ومن يحركها ويأويها ويدعمها يعلم أن إحداث القلاقل في مصر سينعكس بالضرورة على المنطقة وأن الاستقرار بها من شأنه إحداث استقرار في العواصم المجاورة بل انه سيكون داعماً مباشراً وقويًّا لها فبالتالي التركيز على مصر هدفاً قائماً وسيظل.

لكن المؤشرات على الأرض تؤكد أن مصر بامتدادها العمراني على الأطراف الحدودية ويقظة أجهزتها الأمنية سوف تنتصر وستجتث الإرهاب من جذوره بسواعد أبطالها الشهداء من رجال القوات المسلحة والشرطة. إذا كان الحصار يضيق على التنظيمات الإرهابية في الوادي.

فإن العام الجديد سيشهد أيضاً حصاراً عنيفاً على التنظيمات المتواجدة خارجها، خاصة في العريش بمحافظة شمال سيناء، لاسيما بأن القيادة السياسية كلفت الإدارة الهندسية بالقوات المسلحة ووزارة الإسكان بإنشاء أكبر مدينة عمرانية بمنطقة بئر العبد - التي شهدت الشهر الماضي حادث المسجد الذي راح ضحيته ما يزيد على الثلاثمائة شهيد - بتكلفة مائة مليار جنيه.إذن مكافحة الإرهاب تتم وسوف تتم بالتنمية والعمران وبالمواطنين والمواجهة المسلحة أيضاً.

نعم التحدي كبير. الإرهاب ليس جديداً لكن آليات الدعم مختلفة ومتلاحقة، فلم يعد الإرهاب في هذه المرحلة يرتبط بعقيدة أو تكفير أو الخروج على الحاكم فقط لكنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنفوذ والهيمنة من قبل قوى إقليمية وعالمية تستخدم هذه الجماعات في خوض معاركها بالوكالة مثلما نرى تنظيمات مثل داعش وغيرها من التنظيمات التي تضم عناصر ليست ديانتها الإسلام مما يؤكد أن الإرهاب مستخدم كجزء من تحقيق سيناريوهات في المنطقة بأكملها.

الأمر الذي يدفع دول المنطقة بضرورة التماسك في مواجهة الإرهاب الذي يهدف إلى القضاء على فكرة الدولة الوطنية سواء في مصر أو اليمن أو سوريا أو ليبيا. حادث كنيسة حلوان لن تكون المحاولة الأخيرة، فالعام الجديد هو عام التحدي لاسيما أن الإنجازات على الأرض المصرية خيبت رهانات المتربصين والمتآمرين ولكن مصر برسوخها وتاريخها في مواجهة الجماعات المسلحة ستنتصر حتماً وستدحر الإرهاب البغيض وستواصل صعودها ومكانتها إقليمياً وعالمياً.

* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي

Email