عام استعادة الوعي بحتمية الحل العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

نودع عاماً قد يكون من أصعب الأعوام التي مرت على أمتنا العربية، ومع ذلك فقد يكون هذا العام نقطة الانطلاق لعبور الأزمة، وبداية الطريق الذي تاهت معالمه عن عيون الكثيرين لسنوات طويلة، فكانت النتيجة ما نعانيه اليوم من محن وما نواجهه من تحديات.

فرغم كل شيء.. كان العام الماضي هو عام الإدراك الكامل بحكم الأزمات التي يواجهها الوطن العربي وهو يعايش دولاً تم تدميرها، ودولاً تعيش الحرب الأهلية، وقوى إقليمية تمد نفوذها على الأراضي العربية، وميليشيات ترفع كل الرايات إلا راية الوطن، وعملاء يفخرون علناً بعمالتهم، وحملات لا تتوقف لكي تنشر اليأس وتقود الأمة إلى الاستسلام لمخططات الأعداء، والإقرار بالهزيمة الكاملة. ومع إدراك حجم الأزمة، كان هناك التحرك للمواجهة والاستعداد الكامل لتقديم التضحيات رغم قسوة الظروف وضخامة التحديات، بالطبع كانت هناك دول عربية انكفأت على مشاكلها الداخلية، وكانت هناك أنظمة باعت نفسها للعدو وسخرت إمكانياتها المادية وأبواقها الإعلامية ضد أشقائها.. لكن كان هناك ـ على الطرف الآخر ـ من تصدوا للمواجهة وهم يدركون التبعات ويتحملون المسؤولية أمام الله والشعب.

كانوا يدركون أن عليهم أن يواجهوا إرهاباً تمت زراعته بعناية وبدعم كامل من قوى الشر، وأن يواجهوا أيضا ميليشيات تريد إغراق الأمة في مستنقع الحروب الأهلية والطائفية، وكانوا يدركون أن عليهم أن يواجهوا خطراً إيرانياً يتفاخر قادة ميليشياته بأنهم يرفعون أعلامهم فوق أربع عواصم عربية، ويؤكدون أن الطريق ممتد والتوسع قائم!

وكانوا يدركون أيضا أنهم يواجهون هوساً تركياً يتوهم أن عصابة تجار الدين بقيادة الإخوان هي الطريق لاستعادة الخلافة العثمانية البائدة!

وكانوا يفهمون جيداً أن هؤلاء جميعاً هم الحلفاء الطبيعيون للخطر الصهيوني الذي يستمر في التهام أرض فلسطين ويستعد بمخططات تصفية القضية، ويستفيد من كل ما يجري لكي تكون له القيادة في المنطقة بعد أن يتم تفتيت أوطانها وتغيير خرائطها واستباحة كل المقدسات فيها.

كانت القوى الحية في الجسد العربي تدرك كل هذه التحديات، وتدرك أيضا أن المنطقة كانت وستظل ميداناً لصراع لا ينتهي بين القوى العالمية الكبرى الطامعة في النفوذ والثروة، والمدركة لموقع العالم العربي في الصراع حول قيادة العالم.

ورغم كل هذه التحديات، فقد أدركت القوى الحية في الجسد العربي أنه لا بديل عن المواجهة إلا انتظار السقوط!! ورغم أن الأساس في التحرك كان الحفاظ على الدولة الوطنية وحماية مؤسساتها ووحدتها وضمان استقلالها. إلا أن أي حسابات وطنية حقيقية كان لابد أن تقود إلى الطريق العربي للمواجهة باعتباره الطريق الوحيد الذي يمكن خوض المعركة من خلاله. وكما توحد أعداؤنا ضد كل ما هو عربي، ووقف حمد بن جاسم يعبر بصفاقة قبل سنوات عن هذا التوجه بالتأكيد على أن «العروبة خرافة آن لنا أن نتخلى عنها».. كان الوعي من جديد بأن العروبة التي يستهدفها الأعداء هي طريقنا للخلاص.

وهكذا كان لابد للقوى الحية في الجسد العربي أن تخوض المواجهة ضد عصابات الإرهاب الإخواني ـ الداعشي، وهي تدرك أنه تم إطلاقه لضرب الدول الوطنية كما تم اعتماده منذ نشأته ليكون سلاحاً في يد أعداء العرب والعروبة.

وهكذا أيضاً عاد الوعي بأن ما يجمع القوى الإقليمية ضدنا هو هذا العداء لكل ما هو عربي، وهو السعي لضرب كل عمل مشترك على طريقة توحيد القوى والإمكانيات العربية حتى لا تكون نهضة ولا يتحقق تقدم. من هذا المنطلق كانت إيران تمد نفوذها وتوسع تهديداتها وتزرع ميليشياتها الطائفية لتخريب المنطقة. ومن هذا المنطلق كان البعض يجري وراء أوهامه التي بلغت أوجها حين استولت عصابة الإخوان على حكم مصر، وبان شرها حين سقطت العصابة وسقطت معها الأقنعة، ومن هذا المنطلق يواصل الكيان الصهيوني جهده لابتلاع الأرض الفلسطينية وتهديد القدس التي ندرك جميعاً أن مستقبلها هو مستقبلنا.. أن تكون عربية، وأن نكون عرباً.

الآن يعود الوعي بأن طريق الإنقاذ لابد أن يكون عربياً، ورغم ضراوة الهجمات التي شنها أعداؤنا لكي يفقد شبابنا بالذات هويته الحقيقية، فإن العام الماضي يشهد بصورة متزايدة إدراكاً حقيقياً بمخاطر ضرب الدولة الوطنية وبأن حماية هذه الدولة لن تتم إلا تحت راية عربية ترفض الانجرار إلى الحرب الدينية، وتؤكد على أن العروبة المنفتحة على العالم والعصر، والتي تجمع كل مواطنيها على قدم المساواة.. هي القادرة على ضرب كل محاولات إغراق الوطن العربي في حروب الطوائف والأديان، وهي القادرة على مواجهة خطر إيران ونازية الصهيونية وكل أطماع الأعداء.

كان العام المنتهي عاماً صعباً، لكنه كان عام الوعي بحقيقة ما نواجهه من أزمات، كما كان عام الوعي بأن طريق الإنقاذ لابد أن يمر عبر الدولة الوطنية التي تنشر العدل والحرية وتصنع التقدم وتضمن المواطنة، كما لابد أن يمر عبر عروبة يتحالف ضدها كل الأعداء ويخوضون ضدها كل أنواع الحرب، لكنهم ـ وهم يفعلون ذلك ـ يعيدون اليقين بأن طريق الخلاص وسبيل التقدم لابد أن يكون عربياً.

* كاتب مصري

Email